قوله تعالى : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ) أي : من عبدني لأجل الجزاء والعوض ، وسكن بالعطاء عن المعطي ، وأحاطت به رؤية أفعاله وأعواضه ، أولئك أصحاب البعد ، لم ينالوا قرب وصالي ، وحقيقة جمالي.
وقيل : بلى من كسب سيئة برؤية أفعاله ، وأحاطت به خطيئته بظنه أن أفعاله وأعماله تنجيه وتقربه ، فهم المبعدون عني بما تقربوا به إلي.
( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : الذين شاهدوا الله برسم الأرواح في فضاء الأزليات ، وخرجوا من الكائنات تهذيبا للأشباح ؛ حتى دخلوا حجال الأبديات ، أولئك أصحاب القربات ، ومشاهدات الصفات ، وسبحات جمال الذات.
( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون (85))
وقيل : ( آمنوا ) أي : أيقنوا أن النجاة في سعادة الأزل ، وأنه ليس في الطاعات إلا إتباع الأمر ، وأنفوا من صالح أعمالهم لعلمهم بقصورها عن حقيقة تعبده ، أولئك هم الواصلون إلى الرضوان الأكبر.
( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ) أي : أن يأتوكم أسارى الشوق ، وسكارى العشق ترحمتموهم بأصوات شجية ، وأقوال مرفقة ، تفادوهم برؤية الصفات ، وتشغلونهم عن رؤية الآيات.
وأيضا إن يأتوكم أسارى تنكره «تفادوهم» بشواهد المعرفة.
وأيضا إن يأتوكم من غيبوبات القلوب ، تفادوهم برؤية أنوار الغيوب.
وقال أبو عثمان : وإن يأتوكم غرقى في بحر الذنوب ، تدلوهم على طريق التوبة.
وقال الواسطي : إن غرتهم رؤية أفعالهم ، تنقذوهم من ذلك برؤية المنن.
وقال الجنيد : وإن يأتوكم أساري في أسباب الدنيا ، تنقذوهم إلى قطع العلائق والأسباب ، فإن الحق أبى أن يتجلى بقلب متعلق بسبب.
وقال بعض البغداديين : وإن يأتوكم أسارى في صفاتهم ونعوتهم تفادوهم أي : تحلوا عنهم وثاق صفاتهم بصفات الحق ونعوته ، قوله تعالى حاكيا عنهم ، قالوا : قلوبنا غلف أي :
Shafi 55