ولا بذات عزة في النفور ، ولكنها ذات شوكة وصولة في شباب الغفلة والشهوة.
( صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) أي : تخرج بزي المعبودية رياء وسمعة ، وهو لباس واحد ظاهره سلامة ، وباطنه خيانة ، خدعت به الناظرين من الجاهلين ، وبلسان الواجدين ألبست كسوة القهر بنعت الجمع ، فإذا ظهرت من عين الجمع ، تجلى الحق منها ، وجوده بصفة الخاص التي لا يدخل فيها رسم الربوبية من القهريات واللطفيات ، فأبصرت عيون الناظرين من أهل الجمع تلك الصفة ، فسرت أسرارهم ، وتهيجت أنوارهم ، فبين الأسرار والأنوار فنوا من النظر إلى الأغيار.
( لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) أي : ليست بمذللة في عبوديتي ، ولا عامرة أرض القلب التي هي مزرعة محبتي ، ولا ساقية بذر المحبة في شريعة العقل ، وهي محل قرار قربتي ( مسلمة ) أي : فارغة عن العبادات ، وهي عنها بمعزل أبدية عن الحكومات ، لا رغبة لها في مناجدتي ، ولا رهبة لها عن معاقبتي ؛ لأنها خلقت من الضلالة وهي آيسة من الهداية.
( لا شية فيها ) أي : لا سمة عليها لأحد ؛ لأنها لا تألف الحق أبدا.
وقال بعضهم : لا يصلح لكرامتي ، وإظهار ولايتي عليه ؛ إلا من يذلل نفسه بالسكون إلى شيء من الأكوان ، ولم يسع في طلب الحوادث بحال مسلمة من فنون عوارض الخلاف لا شية فيها ، لا أثر عليه لأحد بالسكون إليه والاعتماد عليه ، فهو القائم بي والناظر إلي ، والمعتمد علي أظهرت عليه آيات قدرتي ، وجعلته أحد شواهد عزتي ، فمن شاهد استغرق في مشاهدته ؛ لأنه قد ألبس رداء العز وأنشد على إثره :
هذه إذا فانظري الدنيا بعيني واسمعي
بإذني فيها وانطقي بلساني
( فقلنا اضربوه ببعضها ): فهم من الآية أن الله تعالى أعلمهم أن في قتل النفس إحياء القلب ، وفي حياة القلب حياة الروح ، وإذا صفت الروح بصفاء حياة القلب عن كدورات النفس ، تحيي جميع الأموات بأنفاسها وآثارها ، كما أحيى عيسى عليه السلام الموتى ؛ لأنه صاف بصفاتها من صفات النفس ، فظهرت منه الآيات والمعجزات.
وقيل فيه : إن الله أمر بقتل حي ليحيي ميتهم ، أعلمك بذلك إنه لا يحيي قلبك لأنوار المعرفة ؛ ولا لفهم الخطاب ، إلا بعد أن تقتل نفسك بالاجتهاد والرياضات ، فيبقى جسمك هيكلا لا صفة له من صفاته ، ولا يؤثر عليك بقاء صورتك فيحيي قلبك ، وتكون نفسك رسما لا حقيقة لها ، وقلبك حقيقة ليس عليه شيء من المرسومات.
Shafi 54