وأنزل منها على قلوبهم وابل المعرفة ، وأطعمة الحكمة.
وأيضا لما فرقهم في تيه الغربة ، حللهم بأودية الكرامة ، وأنزل عليهم مائدة الحضرة بلا كلفة الاكتساب ، وكد المعاملات.
وقال الأستاذ : لما طوحهم في شابه الغربة ، لم يرض إلا بأن ظللهم ، وبلبسة الكفايات جللهم ، وعن تكلف التكسب أغناهم ، وبجميل صنعه فيما احتاجوا إليه تولاهم (1).
قوله : ( قد علم كل أناس مشربهم ): لأرواح الخاص مشارب المعارف في بحار الذات والصفات ، يعرف كل واحد منها موردها من الحق سبحانه تعالى ، ومشربها بالتفاوت ، فبعضها في مقام الحيرة ، وبعضها في مقام المنة ، وبعضها في مقام الوصلة ، وبعضها في مقام الفناء ، وبعضها في مقام البقاء ، وبعضها في مقام الجلال والجمال ، وبعضها في صرف الجبروت ، وبعضها في عالم الملكوت ، وبعضها في مشاهدة القدس ، وبعضها في رياض الأنس على حد مقاماتها ، وتفاوت سيرها.
( عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) [الإنسان : 21].
وقيل فيه : شرب كل أحد حيث أنزله رائده ، فمن كان رائده نفسه ، فمشربه الدنيا ، ومن كان رائده قلبه ، فمشربه الآخرة ، ومن كان رائده سره ، فمشربه في الحضرة على المشاهدة ، حيث يقول عز وجل : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) طهرهم به عن كل ما سواه.
وأيضا أبلاهم الله بالنعمة ، كما أبلاهم بالنقمة.
وأيضا لما عصوا الله تعالى ، أخذ عنهم لذة ذلك الطعام ، ولم يصبروا على فقد اللذة.
وأيضا من لم يشكر الله في نعمائه غيرها عليه ؛ حتى لم يصبر على بلائه.
وقيل : الناس فيه رجلان : رجل أزيل عنه تدبيره ، فهو مستريح في ميادين الرضا راض بأحكام القضاء فيه ساء أو سر ، فهو في الزيادة أبدا ، وآخر رد إلى تدبيره واختياره ، فلا يزال يتخبط في تدبيره واختياره إلى أن يهلك.
( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت
Shafi 51