بالجوع والتقطع.
وقال أيضا «مرض» : بقلة المعرفة بنعم الله تعالى ، والقعود عن القيام بشكرها ، والغفلة عنها وهذا مرض القلب الذي ربما يتعدى.
( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ) أي : لا تنكروا أولياء الله ، ولا تشوشوا قلوب المريدين بغيبة شيوخهم عندهم ، ولا تلقوهم إلى تهلكة الفراق ، وقنطرة النفاق.
وأيضا لا تخربوا مزارع الإيمان في قلوبكم ، بالركون إلى الدنيا ولذاتها.
أما قوله : ( إنما نحن مصلحون ): فأوقعهم الله في شر الاستدراج ، وحجبهم عن إصلاح المنهاج ، فرأوا مساوئهم المحاسن ، فاحتجبوا عن المعنى ، وخرجوا بالدعوى ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا في ترك نصيحة العلماء ، ومصادفة الأولياء ، وهذا معنى قوله تعالى : ( ولكن لا يشعرون ).
وقيل : هم المفسدون بعصيان الناصحين لهم ، ولكن لا يشعرون ؛ لأنهم محجوبون عن طريق الإنابة والهداية.
( الله يستهزئ بهم ) أي : يتركهم على ما هم عليه ، ولا يهديهم إليه ، وأيضا يريهم الأعمال ، ويحرم عليهم الأحوال ، وقيل : يحسن في أعينهم قبائح أفعالهم.
( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ): لما احتجبوا عن رؤية حقيقة مشاهدة الأحوال ، ولم ينالوا عزة معاني القربة ، أثروا حظوظهم على ما أوتوا من الكرامات الظاهرة ، حين باعوها بلذائذ الشهوة ، وهذه صفة إبليس ، وبلعام ، وبرصيصا وأمثالهم من أهل الخداع.
وقال ابن عطاء : القناعة بالحرص ، والإقبال على الله تعالى بالميل إلى الدنيا.
( فما ربحت تجارتهم ): ما ربح من يبدل بي سواي.
( وما كانوا مهتدين ): في سابق علمي ، فلأجل ذلك مالوا عني.
( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ): هذا مثل من دخل طريق الأولياء بالتقليد لا بالتحقيق ، يعمل عمل الظاهر ، وما وجد حلاوة الباطن ، فترك الأعمال بعد فقدان الأحوال.
وأيضا مثل من استوقد نيران الدعوى ، وليس معه حقيقة الغنى ، فأضاءت ظواهره بالصيت والقبول ، فأفشى الله نفاقه بين الخلق حتى يبدوه في أخس السخرية ، ولا يجد مناصا من فضاحة الدنيا والآخرة.
وقال أبو الحسن الوراق : هذا مثل ضربة الله لمن لم تصح له أحوال الإرادة ، فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر ، فكان يضيء عليه الأحوال الإرادية ، لو صححها
Shafi 35