ومشرب تسنيم المشاهدة ، ومشرب عين المكاشفة ، وقائد التوفيق يقود طائفة السعادة إلى مناهل القربة ، وسائق الخذلان يسوق طائفة الشقاوة إلى موارد الشهود ، وموارد النفوس التي تردها هي أسن المنى ، وأحسن الهوى ، ومناهل الشهوات ، سواحل نهر الغفلات ، ومشارب الأرواح التي تردها هي سواقي المشاهدات والمكاشفات ، وعيون القلوب التي تردها هي صفاء المعاملات ، وأنوار المناجاة ، والأنهار التي تردها العقول هي مشاهدة الربوبية ، وإدراك نور القربة من مرآة الآيات ، والينابيع التي تردها الأسرار هي عجائب كشوف جمال القدم ، وشهودها مشهد التوحيد ، وحقائق حق الربوبية ، ومطالع شموس الصفات ، ومشارق أقمار أنوار الذات ، فالزهاد أصحاب العقول ، ومشربهم الطاعات والعبادات ، والمحبوبون هم أصحاب القلوب ، ومشربهم الوجود والحالات ، والعارفون هم أصحاب الأرواح ، ومشربهم المراقبات والأنس والخلوات ، والموحدون هم أصحاب الأسرار ، ومشربهم التفرد عن الأكوان ، والتجرد عن الحدثان ، والبطالون هم أصحاب النفوس ، ومشربهم الدعاوى والأباطيل ، والترهات والمزخرفات.
وقيل : «الغيب» : هو الله تعالى.
وقال بعض العارفين : «الغيب» : هو مشاهدة الكل بعين الحق.
وقال أبو يزيد : لا يؤمن بالغيب ، من لم يكن معه سراج من الغيب.
( ويقيمون الصلاة ): يراقبون أوقات الصلاة ؛ لاستنشاق نفحات الصفات ، وإقامة الصلاة حفظ آداب العبودية في جناب الربوبية ، بنعت الافتقار إلى مشاهدة الملك الجبار ؛ لأن في الصلاة قرة عيون العارفين ، ومناجاة المحبين ، ومشاهدة الحق للشائقين.
وقال ابن عطاء : إقامة الصلاة حفظ حدودها ، مع حفظ السر مع الله ألا يختلج بسره سواه.
( ومما رزقناهم ينفقون ) أي : يطلبون قرب الرزاق بخروجهم عن الأرزاق.
وأيضا يتقربون إليه بما نالوا منه.
وأيضا يتخلقون بخلقه في الإكرام والإعطاء.
وأيضا يتحدثون بما وجدوا من أنوار الكواشف ، وكرائم المعارف عند السالكين الصادقين.
وقيل : في الإمساك لذة ، وفي الإنفاق لذة ، وكل ما يلتذ به فهو بعيد من عين الحق.
وقيل : ينفقون مما خصصناهم به من أنوار المعرفة ، يفيضون بركاتها ونورها على من تبعهم.
Shafi 32