وهناك بالطبع شذوذات جنسية أخرى أقرب إلى الإجرام منها إلى الشذوذ، كالرجل يضرب المرأة ويقسو عليها إلى حد الموت تقريبا كي يؤدي الاتصال الجنسي، وقد يقتلها في هذا الاتصال، وعندما نتأمل الاتصال الجنسي عامة نجد أن فيه شيئا من القسوة؛ لأنه في صميمه عدوان، والمريض النفسي يبالغ في هذا الاتجاه، حتى تصير قسوته قتلا أو تعذيبا بدلا من أن تتخذ الصيغة المألوفة كالعض أو الإيلام الخفيف، وهذه القسوة تسمى «سادية» وأحيانا تنعكس الصيغة فيكون الشذوذ رغبة في التألم، وهذا ما يسمى «المازوكية» كأن يطلب الرجل أن يضرب قبل الاتصال الجنسي، وهذا الميدان الجنسي يخصب للشذوذات الكثيرة، كالمجنون الذي يفتح القبر كي يفسق بفتاة ميتة، إلخ، وهؤلاء الشاذون يسمون «سيكوبائيين» أي إنهم سويون عقلاء في الحياة العامة، ولكنهم شاذون في هذه النقطة أو تلك (انظر فصل الشخصية السيكوبائية).
النظر السيكلوجي للإجرام
النيوروز هو كظم لا ينفرج يضيق به الإنسان كالغيرة أو الخوف أو القلق أو الشك؛ أي إنه جنون العاطفة.
والسيكوز هو تفريج مخطئ زائف للكظم السابق الذي تفاقم حتى صار نيوروزا لا يستطاع تحمله، ذلك أن السيكوزي يخترع أسطورة يسكن إليها، أو خيالات يرتاح إليها، فتذهب عنه الكظوم التي لم يكن يطيقها، كالأم التي تركها ابنها، فهي بين الشكوك التي لا تطاق، هل هو عائد أم لا؟ وحي أم ميت؟ فعاطفتها في عذاب وتمزيق لا يطاقان، وهذا هو النيوروز، وفي ذات صباح تجد أنها قد استيقظت وهي مرتاحة ساكنة إلى خيالات جديدة وأساطير لذيذة؛ بأن ابنها قد عاد وقابلها يوم أمس وتحدث إليها، وأنه سيحضر هذا المساء، وعندئذ يعد السيكوز جنون العقل الذي حل محل النيوروز؛ أي: توتر العاطفة وجنونها.
والإجرام يعد - من الناحية السيكلوجية - تفريجا لكظم سابق؛ أي إن المجرم نيوروزي ضائق مثلا بفقره، أو - بالأحرى - بعوزه، يجد أن حاجاته أكثر من مقتنياته، فهو كاظم قد احتقنت في نفسه أحقاد أو توترات مختلفة تطالبه بالتفريج، وغير المجرم يلجأ إلى الخمر مثلا فيفترج، وغيره يلجأ إلى أحلام اليقظة فيفترج أيضا، ولكنه هو يلجأ إلى الجريمة، ومن هنا خطره على المجتمع، والإجرام - بهذا الاعتبار - يعد سيكوزا أو نيوروزا ، ويجب لذلك أن يجد المعالجة السيكلوجية، ولكنا ما زلنا نعالج المجرمين بقانون العقوبات، وهو قانون عاطفي وليس وجدانيا؛ لأننا - حين ننفذه - ننتقم ولا نتعقل.
والمشاهد أن الذكاء في المجرمين أقل قليلا من المتوسط العام؛ أي: أقل من مائة، ولكن الإجرام لا يعود إلى نقص الذكاء؛ لأن هناك آلافا من الأفراد دون المائة؛ أي: دون المتوسط، ومع ذلك يعيشون العيشة السوية في المجتمع، ولكن سبب الجريمة هو الكظم الذي لا يجد منفرجا إلا بهذا الانفجار الإجرامي، وقد سبق أن قلنا: إن المجتمع الحسن هو ذلك الذي تقل فيه الكظوم، ولا تتفاقم حتى لا تؤدي إلى الجنون أو إلى الإجرام؛ ومن هنا نفهم أنه حيث يكون الحرمان المالي أو الاقتصادي أو الجنسي أو الترفيهي نجد الإجرام، وعلى قدر هذا الحرمان يكون الإجرام.
وقد سبق أن قلنا: إن ضمير الإنسان في مجتمعنا مؤلف من ثلاث ذوات: (1)
الذات البيولوجية الغريزية التي نشتهي بها الطعام والأنثى والسيطرة، إلخ. (2)
الذات الاجتماعية المؤلفة من التقاليد والعادات الاجتماعية. (3)
الذات العليا التي تنتقد وتتبصر وتتألف من الدين والأخلاق والمثليات.
Shafi da ba'a sani ba