الفصل الخامس
كيف كان كنديد أميرا كبيرا، ولكن مع عدم رضاه عن هذا
توحي الفلسفة إلينا بأن نحب أمثالنا، وبسكال - وحده تقريبا - هو الفيلسوف الذي أراد أن يجعلنا نكره أمثالنا، ومن حسن الحظ أن كنديد لم يقرأ بسكال، فكان يحب الإنسانية المسكينة من جميع قلبه، وقد أدرك رجال الخير ذلك، فابتعدوا عن رسل الرب، ولكنه لم يصعب عليهم أن يجتمعوا عند كنديد، وأن يساعدوه بنصائحهم، ويضع أنظمة حكيمة لتشجيع الزراعة والتناسل والتجارة والفنون، ويكافئ من يقومون بتجارب نافعة، ومن لم يؤلفوا غير الكتب، وكان يقول - بسلامة نية فاتنة: «قد أكون راضيا إذا رضي الناس في ولايتي على العموم.»
وكان كنديد غير مطلع على النوع البشري؛ وذلك أنه أبصر ثلب الناس له في أهاجي مرجفة، وأنه افتري عليه في كتاب اسمه «صديق الناس»، وأنه لم يصنع غير ناكري الجميل، مع أنه يسعى لإيجاد سعداء، ويقول كنديد صارخا: «آه! ما أصعب الحكم في هؤلاء الناس الخالين من الريش والطالعين على الأرض! ولم لم أبق على شاطئ بحر مرمرة، في صحبة الأستاذ بنغلوس، والآنسة كونيغوند، وبنت البابا أوربان العاشر التي ليس لها سوى ألية واحدة، والراهب جيرفله، والفاجرة باكت!»
الفصل السادس
ملاذ كنديد
في مرارة من الألم، كتب كنديد كتابا مؤثرا إلى صدر الديوان الأكرم، وصف فيه حاله النفسية وصفا بلغ من القوة ما حمله به على إقناع الصفوي بأن يعفي كنديد من خدمه، ويريد صاحب الجلالة أن يكافئه على خدمه، فيمنحه راتبا عظيما جدا، وإذ أعفي فيلسوفنا من وطأة الجاه، بحث في ملاذ الحياة، عن تفاؤل بنغلوس، وقد عاش حتى هذا الحين في سبيل الآخرين، ناسيا أنه كان صاحب سراي - كما يظهر.
وقد ذكر ذلك مع كل ما توحي به هذه الكلمة من إحساس، ويقول لخصيه الأول: «ليعد كل شيء حتى أدخل عند نسائي»، ويجيب الرجل مخافتا: «مولاي، الآن تستحق يا صاحب السعادة لقب الحكيم، فلم يكن الرجال الذين عملت في سبيلهم كثيرا أهلا ليشغلوا بالك، وأما النساء ...» ويقول كنديد متواضعا: «ربما.»
وكان يقوم في أقصى حديقة، حيث كان الفن يساعد الطبيعة على إنماء محاسنها، بيت صغير على طراز بسيط مع هيف، ويختلف هذا البيت بذلك عن البيوت التي ترى في ضواحي أجمل مدينة بأوروبا، ولم يدن كنديد منه إلا محمر الوجه، وكان الهواء حول هذا المنزل الهادئ الفاتن ينشر عطرا لذيذا، وكانت الأزهار المتشابكة تشابكا غراميا تسير عن غريزة اللذة كما يظهر، وكانت تحتفظ هنالك بمختلف جواذبها لزمن طويل، ولم يكن الورد ليخسر هنالك رواءه، وكان منظر الصخرة - التي ينحدر عنها السيل بهدير أصم مبهم - يدعو النفس إلى تلك السوداء العذبة، التي تسبق الشهوة، ويدخل كنديد - وهو يرتجف - بهوا يسوده الذوق والبهاء، فتجذب الحواس فيه بسحر خفي، وتقع عيناه على تلماك، الشاب الذي يتنفس على الغزل بين حوريات بلاط كلبسو، ثم يحول عينيه إلى ديانا نصف العارية، والفارة إلى ذراعي أنديميون الناعم، ويزيد ارتباكه عند نظره إلى فينوس، المنقولة عن فينوس الإيطالية نقلا صادقا، وإنه لكذلك إذ قرع أذنيه نغم إلهي؛ وذلك أن فرقة من الفتيات الكرجيات مرت مستورة ببراقعها، فتؤلف حوله رقصا غنائيا، أصدق من الرقصات الشهوانية التي ما فتئت تعرض على المسارح الصغيرة منذ موت القيصرين والبونبيين.
ويؤتى بإشارة متفق عليها، فتسقط البراقع، وتزيد السحنات المملوءة معنى في حرارة اللهو، ويبدي هؤلاء الحسان أوضاعا فاتنة، ولكن على غير سابق خطة كما يلوح، فلا تعرب إحداهن بلواحظها عن غير هوى لا حد له، ولا تظهر الأخرى غير تراخ لين، ينتظر ملاذ من دون أن يبحث عنها، وتنحني ثالثة وتنهض حالا لتشاهد أثر مغرياتها الساحرة، التي يعرض الجنس اللطيف مثلها بباريس في وضح النهار، وتفتح رابعة ثوبها قليلا، كشفا لساق لها تستطيع إلهاب رجل رقيق، وينقطع الرقص، وتبقى الحسان ساكنات.
Shafi da ba'a sani ba