يدل دلالة واضحة كافية على مخالفته شريعة محمد، وقد اشتهر في الإقليم أمر شاربيه، فكانت الأمهات ترجو أن يكون لأبنائهن مثلها، وكان راغب ذا أزواج؛ لأنه غني، ولكن نفسه كانت تسول له ما هو كثير الشيوع في الشرق وفي بعض كليات أوروبا، ويقول الماكر الفارسي للبسيط كنديد، وهو يدغدغ ذقنه ذات يوم دغدغة خفيفة: «أنت يا صاحب السعادة أجمل من النجوم، ولا بد من أن تكون قد فتنت كثيرا من الأفئدة، وقد ولدت لتلقي السعادة ولتلقاها.»
ويجيب بطلنا: «واها! لم أك غير نصف سعيد خلف حاجز، حيث أزعجت كثيرا، وكانت الآنسة كونيغوند ناضرة في ذلك الحين ...»
ويقول الفارسي: «الآنسة كونيغوند! ويح عليك يا طاهر! اتبعني يا مولاي.»
فاتبعه كنديد، ويصلان إلى محل منزو رائع واقع في أقاصي غابة، حيث يسود السكون والشهوة، ففي ذلك المكان يعانق إسماعيل راغب كنديد عناقا ناعما، ويعرب له بإيجاز عن حب شديد له، كالحب الذي أعرب عنه ألكسيس الجميل في جرجيات فرجيل، ولم يكن ليذهب عن كنديد دهشه، فصرخ قائلا: «كلا، لن أنقاد لمثل هذا العار! يا لها من علة ومعلول فظيعين! الموت أحب إلي من هذا.»
ويقول إسماعيل غاضبا: «ستموت إذن، ماذا؟ أيها الكلب النصراني؛ ذلك لأنني أريد أن أمنحك بأدب لذة ... فإما أن تعمل على إرضائي، وإما أن تموت شر موتة.»
ولم يتردد كنديد زمنا طويلا، وما أدلى به الفارسي من برهان كاف جعله يرتجف، ولكنه خشي الموت كفيلسوف.
ويتعود كل شيء، ولم يكن كنديد ليضجر من حاله مطلقا، ولا غرو، فقد أحسنت تغذيته والعناية به، ولكن مع حصره، وما كان يلاقي من طيب العيش، وما كان يبديه له عبيد إسماعيل من ضروب التسلية عد هدنة لغمومه، وكان لا يلازمه الشقاء إلا حين يفكر - شأن معظم الرجال.
وفي ذلك الحين عاد من الآستانة أحد زعماء مذهب الفرس المجتهدين، وأعلم أئمة المسلمين، والتام الاطلاع على العربية، والواقف على اليونانية، التي يتكلم بها اليوم في وطن ديموستن وسوفوكل، صدر الديوان الأكرم، وإلى الآستانة كان هذا الصدر قد ذهب، لمباحثة محمود إبراهيم الأكرم في كون النبي قد نتف الريشة التي استخدمها لكتابة القرآن من جناح الملك جبريل، أو كون جبريل قد قدمها إليه، وقد جادل في هذا ثلاثة أيام وثلاث ليال بحماسة خليقة بقرون الجدل الجميلة، فعاد الإمام قانعا بأن محمدا نتف الريشة - كما يعتقد جميع أشياع علي - وبقي محمود إبراهيم قانعا - كبقية أتباع عمر - بأن النبي أجل من إتيان هذه الغلظة، فالملك هو الذي قدم إليه الريشة بلطف بالغ.
ويروى أنه كان في الآستانة زنديق أشار إلى وجوب البحث - في البداءة - عن صحة الرواية القائلة: إن القرآن كتب بريشة الملك جبريل، بيد أنه رجم.
وأدى وصول كنديد إلى ضجيج في تبريز، وأخذ كثير من الناس الذين سمعوه يتكلم عن المعلولات الحادثة وغير الحادثة، يظن أنه فيلسوف، ويحدث صدر الديوان الأكرم عنه، فيساوره فضول رؤيته، فيأتي به إليه راغب، الذي لا قبل له برفض طلب هذا الرجل العظيم الجاه، ويظهر رضاه البالغ عن الوجه الذي تكلم به كنديد عن الشر المادي والشر الأدبي، وعن العلة والمعلول، ويقول هذا الورع الأكرم: «أدرك أنك فيلسوف، وهذا يكفي، فلا يناسب أن يعامل رجل عظيم مثلك بما يشين كما روي لي، وأنت أجنبي، وليس لإسماعيل راغب حق عليك، وسآتي بك إلى البلاط حيث يحسن قبولك، ويحب الصفوي العلوم، وأنت يا إسماعيل، سلم إلي هذا الفيلسوف الشاب، وإن لم تفعل غضب عليك الأمير، وحلت عليك نقمة الله وأوليائه خاصة.»
Shafi da ba'a sani ba