(2)
توجهت إلى المطار في صباح هذا اليوم، ولكن الطائرة وصلت الساعة 12:30 صباح يوم 6 / 1 بعد انتظار أكثر من 18 ساعة. (3)
وكانت الحكومة السعودية قد تكرمت وأرسلت مرافقا يصاحب الجثمان وزوجة ابني وأولاده مشكورة. (4)
استعلمت من إدارة المطار عن كيفية استلام الجثمان فطلبوا مني الانتظار حوالي الساعة، ثم التوجه إلى المخزن لاستلامه، توجهت أنا والمرافق إلى المخزن ولا أذكر رقمه بالتحديد، واستعلمت عنه فأخبروني أنه في المخزن الآخر الذي يبعد عن هذا المخزن بأكثر من 3 كيلومترات، وفعلا توجهت إليه واستعلمت منه، وبعد فترة قالوا لي إنها موجودة في المخزن الأول، وتأكيدا لذلك فتحوا المخزن فشاهدت فيه تلالا من الصناديق والحقائب ولم أجد فيه صندوق الجثمان. وعدت أدراجي إلى المخزن الأول، فأبلغني أمين المخزن أنه سيبحث عن الجثمان، وطلب من المرافق (السعودي من فضلك) عدة أوراق قدمها له، وأخيرا طلب مني طابع دمغة (بمناسبة مقالك عن الدمغة) توقيع 25 مليما لأضعه على إيصال الاستلام. وكانت الساعة 3 صباحا، فأفهمته بأنه لا يوجد معي طوابع دمغة، وعرضت عليه أن يأخذ ثمنها فرفض وأفهمني أنه يوجد مكتب بريد بالبدروم يمكن شراؤها منه. فأفهمته بأنني متقدم في السن ولا يمكنني البحث في هذا المكتب، ورجوته أن يرسل أحد عمال المخزن لشرائها رفقا بوالد مات ابنه ويبحث عن جثمانه، وأخرجنا ورقة من ذات ال 25 قرشا ليعطيها له ليشتريها ويعيد الباقي، فاعتبر سيادته ذلك إهانة له. أغلق المكتب على نفسه، فتركت المكتب وذهبت للبحث عن مكتب البريد فوجدته مغلقا، وعلمت أنه يفتح 6 صباحا؛ فانتظرت على الباب أنا والمرافق (السعودي من فضلك) حتى فتح في الساعة 7 صباحا واشتريت الدمغة وذهبت إلى أمين المخزن وقدمتها له، وظننت أن الأمر قد انتهى. وإذا بسيادته يطلب مني أن أختار أحد العمال من عمال المخزن لإحضار الجثمان لأنه لا يزال في الطائرة ولم يصل المخزن؛ وهنا لم أتمكن من ضبط أعصابي وصحت: لماذا أختار العامل الآن؟! ولماذا لم تقل لي هذا عند طلبك إحضار الدمغة؟ وسقطت في غيبوبة، ولما أفقت بعد ساعة تقريبا علمت من المرافق (السعودي من فضلك) أنه اختار أحد العمال وأعطاه جنيها أتعاب إحضار الجثمان. وحضرت عربة نقل الموتى ودار السائق بين المكاتب المتعددة طورا للاطلاع على رخصة القيادة، ومكتب آخر للاطلاع على رخصة السيارة، وثالث لأخذ تعهد عليه. وأخيرا تسلمت هذا الجثمان - ابني حبيبي - وكانت الساعة 12:20، أي بعد أكثر من 32 ساعة من الإجراءات.
حسن حسني عبد الحليم
2 شارع قنطرة غمرة، ميدان الظاهر •••
عذرا لسردي هذه الفاجعة التي لا يمكن أن تحدث إلا عندنا، إني لا أطلب تحقيقا في الموضوع؛ فهو قد حدث ويحدث وسيحدث وآلاف غيره. ولكني أريدها مرآة تعكس لسادتنا الموظفين ما يقومون به أحيانا بوعي أو بدون وعي انتقاما من ظروف أو أزمات، أو هكذا، زهقا وضيق حال، نحن منكم وأنتم منا، فلماذا يعذب بعضنا البعض؟ لماذا؟
لمن اخترعت كلمة «الدمث»؟
هناك أناس يموتون فتحزن عليهم لأنهم خسارة وطنية أو قومية، وهناك آخرون تحزن عليهم لأنهم كانوا يمثلون لك أهمية خاصة، وذهابهم سيضيرك أو يضرك، وهناك أناس تحزن عليهم شفقة أو إشفاقا لما سيجري لعائلاتهم من بعدهم، وهناك أناس لأنهم أصدقاؤك أو بعض معارفك أو عتبا على الموت أنه اختطفهم قبل الأوان أو غيلة. غير أنه في النادر جدا ما تحزن لوفاة إنسان، لا لأنه كان صديقا عزيزا فقط، ولا زميل عمل فقط، ولا كفؤا فقط، وإنما فوق هذا كله قد تجمعت فيه وتركزت خصال هي في النهاية التي تجعل من الإنسان إنسانا، ومن العنصر البشري عنصرا ساميا، أسمى ما في الكون الذي يجعله رغم كل موبقاته جديرا حقا بلقب إنسان.
وأنا حزين على صديقي محمود عبد العزيز محمود حزنا هز أعماقي هزا، ولم يحدث لي من زمن طويل ربما منذ أن مات أبي من عشرين عاما؛ ذلك لأنه ليس حزنا «عقليا»، ولكنه نابع من وجدان كان يرى في محمود عبد العزيز الإنسان، ليس الإنسان الكامل، فلا كامل سوى الله، ولكن الإنسان الأكمل منا جميعا نحن الأحياء.
Shafi da ba'a sani ba