Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Nau'ikan
في تلك الأثناء، كان قمر «يو-2» على وشك الدخول في الخدمة. وكانت الطائرات الأولى المكونة من أربع وحدات وستة طيارين جاهزة للعمل في مايو 1956 وانطلقت من قاعدة في مدينة إنجرليك في تركيا. وبعد شهر من ذلك، ذهب بسل وآلان دالاس إلى البيت الأبيض للحصول على تصريح يسمح لصاروخ آيك بالتحليق فوق الاتحاد السوفييتي. وفي اليوم الأول للطيران الذي كان جيدا، بينما كانت الأجواء صافية، التقى بسل مرة أخرى مع دالاس قبل عملية الإطلاق. وتساءل دالاس عن المسار الذي سيتخذه «يو-2». وأجاب بسل بأن القمر سيحلق فوق موسكو وليننجراد، فأصبح وجه دالاس شاحبا، وسأله قائلا: «هل تعتقد أن هذه خطوة حكيمة؟» لكن، حققت المهمة نجاحا مبهرا.
كانت كل رحلة طيران تعود بمجموعة واضحة المعالم من الأهداف المصورة، إلا أن الطيارين تمكنوا من الانحراف عن المسار المخطط لهم بحثا عن أهداف متميزة. ويتذكر بسل إحدى المرات التي حدث فيها ذلك قائلا: «كان يحلق فوق تركستان، ثم رأى في الأفق شيئا بدا مهما للغاية، وهو ما اتضح أنه موقع إطلاق تيوراتام. وعاد بأجمل صور لهذا الموقع.» لم تكن وكالة الاستخبارات المركزية تدري حتى بوجود الموقع، بينما حاول السوفييت لاحقا إخفاء الموقع بالإشارة إليه باسم «بايكينور»، وهو موقع على مسافة أربعمائة كيلومتر من موقع تيوراتام. وسرعان ما عجلت القوات الجوية من إيقاع برامج الاستطلاع الخاصة بها؛ إذ أنشأت محطة رادار ثانية في موقع قرب مدينة ترابزون في تركيا، وهي نفسها مدينة ترابزون الأسطورية في بيزنطة خلال القرون الوسطى، فضلا عن موقع تنصت قرب أسطنبول. وكانت المحطة تلتقط مقايسات عن بعد من الصواريخ المحلقة، أثناء إرسالها بيانات خاصة بالأداء لاسلكيا؛ مثل: معدل استهلاك الوقود، وقوة الدفع، وزمن الاحتراق، والسرعة، ونقطة انفصال الرأس الحربية، والارتفاع، والمدى.
شكل الصاروخ «آر-5» تهديدا حقيقيا لحلف شمال الأطلسي وأوروبا. وأثناء الحرب، أطلقت القوات الألمانية الصاروخ «في-2» باستخدام معدات متنقلة لم تكن تتطلب سوى إزالة بعض أشجار الغابات في نطاق ضيق، وكانت غابات منطقة شرق ألمانيا تسمح بإخفاء القواعد الأمامية التي يمكنها إطلاق قذائف تصل إلى جميع أنحاء بريطانيا العظمى، وهو ما أثار سؤالا مشوقا حول كون البريطانيين يستطيعون بناء صاروخ يمثل تهديدا لموسكو. وتبين أن البريطانيين لا يمكنهم القيام بذلك، على الأقل ليس في القريب العاجل، وهو ما كان يعني ضرورة تدخل القوات الجوية لتقديم يد المساعدة. وعلى وجه التحديد، كان على الولايات المتحدة تطوير صواريخ باليستية متوسطة المدى، تنطلق من إنجلترا، بمدى 1500 ميل يجعلها قادرة على الوصول إلى الكرملين.
بعد الموافقة على الصاروخ «أطلس»، أصبحت الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى موضوع الساعة. أعلن مؤيدو استخدام هذه الصواريخ أنها ستكون أبسط في التطوير وأسرع في التجهيز، بل اقترح بعض المسئولين في البحرية إمكانية إطلاقها من غواصات. وأكد تقرير لجنة كيليان، الذي صدق على هذه الأفكار، على أهمية هذه الصواريخ؛ حيث ورد فيه: «يجب تطوير صواريخ باليستية متوسطة المدى للاستخدام الاستراتيجي. ويجب بحث مسألة إطلاق الصواريخ برا وبحرا.»
انتهز فيرنر فون براون هذه الفرصة الجديدة سريعا؛ فمع قرب اكتمال تطوير الصاروخ «ردستون»، كان فريقه على وشك الدخول في حالة سكون، إلا أن تطوير صواريخ باليستية متوسطة المدى قدم لهم فرصة جديدة مواتية لمواصلة العمل دون توقف. وفي مارس 1955، بعد بضعة أسابيع فقط من صدور تقرير كيليان، اقترح فون براون أن تتولى شركة «ردستون آرسنال» مهمة تطوير صاروخ باليستي متوسط المدى باعتبارها شركة متعاقدة مع القوات الجوية. ورفض الجنرال شريفر اقتراح فون براون على الفور، قائلا: «من السذاجة الاعتقاد بأن الجيش سيطور سلاحا، ثم يسلمه إلى القوات الجوية لاستخدامه.»
اعتقد شريفر أن تطوير صاروخ كهذا يمكن أن يتم من خلال تطوير الصاروخ «تايتان» الباليستي العابر للقارات ذي المرحلتين، كنموذج مطور يعتمد على صاروخ المرحلة الثانية في الصاروخ «تايتان». ولكن في يوليو أدرك شريفر أن أفضل صاروخ من هذا النوع لن يتجاوز مداه ثمانمائة ميل، وهو ما يعادل تقريبا نصف المدى المطلوب. وطلب شريفر من اثنين من مساعديه، هما روبرت ترواكس وأدولف «دولف» ثيل، وضع الخطوط العريضة لتصميم صاروخ جديد تماما. وكان ترواكس يخدم كممثل لسلاح البحرية في قسم التطوير الغربي الواقع تحت إشراف شريفر، بينما كان ثيل قد رحل عن هانتسفيل للانضمام إلى شركة «رامو وولدريدج». وكان مقترح الصاروخ الذي تقدما به يحمل اسم «ثور».
كان لدى ترواكس وثيل عروض من شركات يتعين عليهما بحثها، فضلا عن الأشخاص الموهوبين في قسم التطوير الغربي وشركة «رامو وولدريدج». وبينما كان برنامج «أطلس» في طور التنفيذ، توافرت لدى ترواكس وثيل دراسات محدثة حول التوجيه والمقدمات المخروطية والمحركات. ونظرا لأن قابلية النقل بسهولة كانت مسألة جوهرية، صمم ترواكس وثيل الصاروخ الجديد بحيث يمكن نقله عن طريق قاذفة طراز «سي-124». وكان من المفترض أن يعمل الصاروخ بمحرك الصاروخ «نافاهو» التقليدي من إنتاج شركة «نورث أمريكان»، وهو المحرك الذي أشار إليه ثيل بأنه «المحرك الوحيد المتوافر». وتلقى شريفر العرض النهائي بحلول عيد العمال، فرفعه إلى تسلسل القيادة للموافقة عليه.
في تلك الأثناء، كان تريفور جاردنر يدبر لإثارة رد فعل تجاه الموضوع؛ فعلى الرغم من أن الصاروخ «أطلس» كان يتمتع بالأولوية في القوات الجوية، كان تريفور يرى أن ذلك لم يكن كافيا؛ إذ كان يجب أن يتنافس مع الوكالات الفيدرالية الأخرى لاجتذاب أفضل العلماء والمهندسين. بالإضافة إلى ذلك، أدرك جاردنر أن التعامل مع الأمر سيسير وفق طريقة القوات الجوية المعهودة. وكتب شريفر قائلا: «يوجد لدينا في البنتاجون عشرات المساعدين - أو أكثر - لوزير الدفاع، ويوجد العدد نفسه في جميع الوزارات؛ وكل مساعد لديه مملكة صغيرة يحكمها، ويعمل تحت إمرته مائة موظف بيروقراطي أو أكثر، وجميعهم لديهم الأهداف والمصالح التي تؤثر على قراراتهم؛ لذا، عندما يقدم برنامج نظم في البنتاجون، فإن أصداءه تتردد في اثني عشر أو خمسة عشر اتجاها مختلفا. ولا يمكن للمرء أن يرى البرنامج في صورته الأصلية مجددا، حيث كان الجميع يدلون بدلوهم في الموضوع.»
وجد جاردنر الفرصة سانحة أمامه مجددا في تقرير كيليان، الذي كان يحث مجلس الأمن القومي على الاعتراف بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات باعتبارها «جهدا ذا أولوية قصوى يتمتع بتأييد على المستوى القومي»، وهو ما كان يعني بالنسبة إليه أن الصاروخ «أطلس» يجب أن يتمتع بما هو أكثر من مجرد الأولوية القصوى لدى البنتاجون؛ إذ كان يجب أيضا أن يتصدر جميع الأولويات على المستوى القومي، وهي مكانة لم يحظ بها أي مشروع سابق في وقت السلم. وقضى جاردنر فترة الصيف يلح على هذه المسألة، وحصل على ما يريد في منتصف سبتمبر، عندما وافق آيزنهاور على المشروع.
جاء قائد جديد إلى القوات الجوية، وهو دونالد كوارلز، الذي أصدر إليه الرئيس تعليمات للحد من الإجراءات الروتينية بدرجة كبيرة. ومثلما يتذكر شريفر قائلا: «جئت حاملا معي مقترحا كبيرا طفت به جنبات البنتاجون، وذهبت إلى مكتب تريف جاردنر، وكان لدى تريف رسم تخطيطي، ونزلنا إلى مكتب دون كوارلز. وألقيت نظرة سريعة على الرسوم التخطيطية، أكدت لي استحالة التعامل مع البنتاجون بالطريقة التي جرى تنظيمه بها. ولم يكن في وسعنا الانتظار للحصول على موافقة كل هؤلاء الأفراد.»
Shafi da ba'a sani ba