Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Nau'ikan
كانت هذه القنبلة أثقل وزنا بكثير من أن تصلح سلاحا، وفي غضون شهرين توصل مصمما أسلحة رائدين، هما جون فون نيومان وإدوارد تلر، إلى إمكانية إنتاج قنابل هيدروجينية خفيفة الوزن. وفي أوساط ضباط القوات الجوية الواسعي الاطلاع، مثل هذا الرأي حلا فوريا لمشكلة التوجيه؛ فربما كان الصاروخ «أطلس» يخطئ هدفه، مسلحا بهذه القنبلة الهيدروجينية، بمقدار عدة أميال، ولكنه لا يزال يدمر هدفه من خلال الأسلوب البسيط المتمثل في تدمير كل شيء بين الهدف ومكان سقوط القنبلة. ولكن، حتى يتطور مشروع الصاروخ «أطلس» إلى برنامج كبير، كان المسئولون في حاجة إلى معلومات حول الحجم والوزن والقوة التفجيرية للقنابل الهيدروجينية التي كان إنجازها سيتحقق على الأرجح خلال الأعوام القليلة القادمة.
كان تيودور فون كارمان يرأس المجلس الاستشاري العلمي التابع للقوات الجوية، وشكل لجنة لبحث هذه المسائل، وعين نيومان - الذي كان أحد أهم الرياضيين في العالم - رئيسا للجنة. كان فون نيومان هو الرجل الذي اخترع البرمجة الحاسوبية، وكان رائدا في مجال إجراء العمليات الحسابية الصعبة اللازمة لصنع قنبلة البلاتينيوم الأولى، وكان أول من يستخدم أجهزة الكمبيوتر الأولى في إجراء العمليات الحسابية، ثم انتقل إلى معالجة العمليات الحسابية الشديدة التعقيد التي كانت القنبلة الهيدروجينية تتطلبها. وكان من بين زملائه في اللجنة مجموعة من مصممي القنابل المتميزين؛ أمثال: هانز بيته، وجورج كستياكوسكي، وإدوارد تيلر الذي كان قد اخترع القنبلة الهيدروجينية، ونوريس برادبري الذي كان وقتها مدير مختبر «لوس ألاموس» النووي.
اكتسب هذا العمل أهمية جديدة في أغسطس 1953، عندما فجر السوفييت قنبلتهم الجديدة، الأمر الذي نتجت عنه شظايا انفجار بلغت أربعمائة كيلوطن. واعتمدت هذه القنبلة على تجارب الفيزيائي أندريه ساكاروف، الذي أثبت كيف يمكن لكمية قليلة من المادة النووية الحرارية، المضمنة في قنبلة ذرية، إطلاق كمية هائلة من النيوترونات تعمل على تعزيز عملية الانفجار على نحو بالغ، من خلال التسبب في انشطار المزيد من ذرات اليورانيوم أو البلوتونيوم. ونظرا لأن اسم ساكاروف مشتق من «ساكار» (أي «سكر»)، أطلق زملاء ساكاروف على عملية الانشطار اسم عملية «التسكير» لأنها كانت تجعل قنابلهم أكثر قبولا وملاءمة.
درس العلماء الأمريكيون الغبار النووي الناتج من اختبار الانفجار النووي لهذه القنبلة، ونجحوا في تحديد آثار الانفجار، وفي إعادة بناء المكونات الرئيسية في تصميمها؛ وخلصوا إلى أن القنبلة كانت بمنزلة تقدم هائل على القنابل السوفييتية السابقة، على الرغم من كونها ليست قنبلة هيدروجينية حقيقية. بالإضافة إلى ذلك، كانت استخبارات القوات الجوية قد علمت بشأن الدراسات السوفييتية في مجال الصواريخ البعيدة المدى. وبالنظر إلى هذين التطورين معا، فإنهما كانا يشيران حتما إلى احتمال شروع موسكو في بناء صواريخها الكبيرة قريبا.
كانت لجنة فون نيومان قد توصلت مؤخرا إلى أن الرءوس الحربية في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الموجهة، التي تزن 3000 رطل، من شأنها أن تولد انفجارا زنة 500 كيلوطن. وفي سبتمبر، أضاف مركز الأسلحة الخاصة التابع للقوات الجوية تقريره الخاص، مؤكدا على أن القنابل التي يتولد عنها هذا الأثر لن يزيد وزنها عن 1500 رطل؛ ومن ثم، كان يمكن إنتاج الصاروخ «أطلس» بما لا يزيد عن 240 ألف رطل، وهو ما يكاد يعادل تقريبا ثلث الوزن المقترح في تصميم عام 1951.
كان هذا التطور إنجازا كبيرا، غير من جميع التوقعات المستقبلية لعلم الصواريخ وللصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وبالإضافة إلى ذلك، تحقق هذا الإنجاز في وقت كانت فيه إدارة آيزنهاور المنتخبة حديثا تتبنى سياسة دفاعية تسمى «النظرة الجديدة»، التي كان من شأنها أن تعزز اعتماد البلاد على الأسلحة النووية. وعلى الرغم من ذلك، لم يفض احتمال إنتاج قنابل خفيفة الوزن وقوية إلى الموافقة الفورية على إطلاق برنامج كبير جديد في مجال الصواريخ الاستراتيجية؛ إذ كانت سياسة النظرة الجديدة تسعى إلى خفض الميزانية وإلغاء البرامج القائمة إن أمكن، لا إلى إطلاق برامج جديدة. ولكن، كان من شأن هذا الاحتمال بالطبع أن يبرر النظر بعين جديدة إلى المشروعات الحالية في الدولة.
كان لدى قائد القوات الجوية هارولد تالبوت مساعد خاص يدعى تريفور جاردنر، وكان يتولى مسئوليات واسعة في مجالي البحث والتطوير؛ ونجح جاردنر في أن يصنع له اسما بوصفه مديرا للمشروعات الفنية في إحدى الخدمات العسكرية التي برز معظم قادتها بوصفهم قادة عمليات في الحرب. وكان الصدام الثقافي حتميا؛ حيث لم يرحب هؤلاء الجنرالات كثيرا بفكرة تلقي أوامر من مدني حديث العهد بالشئون العسكرية. كذلك، لم تساعد شخصية جاردنر كثيرا في إنجاح الأمر؛ إذ وصفه آخرون بأنه «ذكي، حاد الطبع، سريع الغضب، بارد المشاعر، ثقيل الظل، مشكوك في أصله». مع ذلك، فقد حظي جاردنر بدعم تالبوت القوي؛ وعلى الرغم من أن الجنرالات كانوا يفضلون القنابل، أراد جاردنر أن يمضي قدما في تطوير الصواريخ.
مرة أخرى، تبلور تأييده لهذه السياسة بصورة أساسية في تشكيل لجنة استعراض عليا، هي مجموعة تقييم الصواريخ الاستراتيجية، سماها جاردنر لجنة «تي بوت». عين جاردنر فون نيومان مرة أخرى رئيسا للجنة، وضم إليها كستياكوسكي، ثم أضاف إليه مجموعة مدهشة من عناصر موهوبة من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وشركة «هيوز إيركرافت» و«بيل لابس» ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وعلى حد قول جاردنر: «كان الهدف هو إعداد تقرير يبدو غاية في الإلحاح والأهمية بما لا يتيح مجالا للاستخفاف به.» التقى أفراد المجموعة خلال خريف وشتاء عام 1953 وعام 1954، وركزوا بصفة أساسية على الصاروخين «نافاهو» و«أطلس». وعلى غرار لجنة الاستعراض التي شكلها ديمتري أوستينوف، وكانت تباشر أعمالها في موسكو في نفس الوقت تحديدا؛ كانت لجنة «تي بوت» تبحث الفوائد المترتبة على اتخاذ خطوة جريئة نحو تصميم صاروخ باليستي عابر للقارات، آخذة في الاعتبار أن الصاروخ «كروز» الذي يعمل بالمحرك النفاث ذي الدفع الهوائي ربما يمثل بديلا مقنعا.
لم يكن جاردنر يشعر بحماس كبير تجاه الصاروخ «نافاهو»، لكنه كان متحمسا تجاه الصاروخ «أطلس»، ودعم تقرير فون نيومان، الذي صدر في فبراير 1954، وجهتي النظر هاتين بقوة. ومما زاد من القوة الإقناعية للتقرير اعتماده على بحوث مؤسسة راند، التي كان لتوصياتها ثقل وأهمية.
في ذلك الوقت تحديدا، في أوائل عام 1954، لم يكن تصميم الصاروخ «نافاهو» قد اكتمل بعد، وكانت شركة «نورث أمريكان » تطور محركات الصاروخ لتوفير الدفع المبدئي له، بينما كانت شركة «رايت إيرونوتيكال كوربوريشن» تبني النماذج التجريبية من المحركات النفاثة ذات الدفع الهوائي. وكان ثمة نظام توجيه أيضا قيد التطوير للصاروخ «نافاهو». بالإضافة إلى ذلك، كانت شركة «نورث أمريكان» قد بنت طائرة أخرى بلا طيار، هي الطائرة «إكس-10»، التي اعتمدت على المحركات التوربينية؛ وكان لدى الشركة الشكل التفصيلي للصاروخ «نافاهو» المزمع إنتاجه، وكانت ستجري اختبارات على الصاروخ لاختبار ديناميكا الهواء عند سرعات تفوق سرعة الصوت.
Shafi da ba'a sani ba