Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Nau'ikan
أثناء العمل في مكاتب تبوليف في موسكو، استعاد فريق السجناء السياسيين العامل تحت إشرافه سمعة قائدهم الطيبة، من خلال نجاحه في تصميم قاذفة ذات محرك مزدوج، وهي قاذفة «تي يو-2». ومع اندلاع الغزو الألماني النازي في يونيو 1941، سادت حالة من الانصراف العام عن الأنشطة البحثية في مجال الطيران. ذهب تبوليف وفريق شاراجا التابع له إلى أومسك شرقا، وأسفرت جهودهم المضنية عن بناء مصنع لإنتاج قاذفات «تي يو-2». وفي بعض الأوقات، كان كوروليف ينجح في الحصول على زجاجة مسروقة من زيت الفرامل المستخدم في الطائرة، الذي كان يحتوي على الكحول، وكان زيتا مطلوبا للغاية. كان مذاق هذا الزيت مريعا، لكنه كان الشراب الكحولي الوحيد المتوفر، واستخدمه كوروليف في بعض الأحيان لرشوة أحد الحراس، حيث نجح في الترتيب لقضاء ليلة مع إحدى النساء.
في تلك الأثناء، كان فالنتين جلشكو قد أنهى أيضا فترة عقوبته بالسجن، وأصبح يدير فريق شاراجا الخاص به في كازان، حيث كان يبني صواريخ الوقود السائل. وكانت هذه الصواريخ عبارة عن وحدات صغيرة، تهدف إلى المساعدة في إقلاع القاذفات ذات الحمولات الثقيلة، وكان كوروليف يعرف جيدا أن جلشكو هو أحد زملائه السابقين الذين خانوا ثقته؛ إذ كتب في خطاب بعثه من السجن: «شوهت سمعتي بشدة من قبل مدير المعهد كليمنوف، ونائبه لانجماك، والمهندس جلشكو.» لكن، كان كوروليف قد تخطى مرحلة أخذ مسألة الخيانة على محمل شخصي، وعندما علم كوروليف بعمل جلشكو، طلب من الشرطة السرية أن تنقله إلى مجموعته؛ ونقل بالفعل في خريف عام 1942. وعلى الرغم من أنه كان لا يزال سجينا، فقد قضى ما تبقى من فترة الحرب منخرطا في هذه المهمة الجديدة.
كانت النجاحات القيمة التي أسفرت عنها مساهمات كوروليف كافية لأن ينال حريته، في منتصف عام 1944، عندما أنهت الشرطة السرية فترة عقوبته في السجن؛ لكنه واصل على الرغم من ذلك العمل مع جلشكو؛ لأن هذه كانت مهمته وقت الحرب. وكان قد ترك زوجة وابنة في موسكو، لكنه لم يرهما مجددا إلا في أغسطس 1945، بعد أربع سنوات من تركه لهما وذهابه إلى أومسك، وبعد سبع سنوات من إلقاء القبض عليه.
في ذلك الوقت، كان عالم تطبيقات الصواريخ مهتما للغاية بإنجازات ألمانيا خلال الحرب في السنوات العشر الماضية. في البداية، كانت مصالح طيران ألمانيا النازية (سلاح لوفتفافا) والجيش الأحمر قد التقت في اهتمام كليهما بالصواريخ من خلال بحث خطة لبناء طائرة اعتراضية صاروخية. ولم يكن الرادار قد اخترع بعد، وكان المسئولون في سلاح لوفتفافا يخشون أن يرصدهم العدو دون دراية منهم، فيضربهم من خلال قاذفات تحلق على ارتفاعات شاهقة. كانت الطائرات الحربية التقليدية تحتاج إلى وقت طويل للغاية للتحليق على هذه الارتفاعات، بينما كانت الطائرات الصاروخية تصل إلى تلك الارتفاعات بسرعة بالغة، وتشتبك مع القاذفات في غضون فترة قصيرة من إصدار الأوامر إليها بذلك.
مع انتشار مفاهيم الصواريخ وظهور بوادر جهود على المستوى القومي، كانت القوات المسلحة في حاجة إلى منشأة كبرى جديدة تتولى إجراء عمليات التطوير والاختبار، ولم تكن أراضي الجيش القديمة المخصصة لإجراء الاختبارات كبيرة بما يكفي. بالإضافة إلى ذلك، ومثلما أشار فون براون لاحقا، فقد أفقدته الاختبارات التي كانت تجريها قوات قريبة على بنادق آلية جديدة التركيز في إحدى عملياته الحسابية؛ لذا، شرع فون براون في البحث شخصيا عن موقع مناسب، موقع يوفر غطاء من السرية الكاملة، بالإضافة إلى مدى إطلاق مفتوح؛ وبدا أن ساحل بحر البلطيق يقدم الخيار الأمثل لذلك الموقع.
عثر فون براون على موقع جيد في جزيرة روجن، لكن حركة «القوة من خلال السعادة» النازية كانت قد اتخذت بالفعل من هذا الموقع وجهة لقضاء العطلات. ثم حل كريسماس عام 1935، الذي قضاه في المنزل مع عائلته؛ قالت أمه: «فيرنر، ذكر والدك، في حديثه إلينا عن الأماكن البعيدة النائية، أنه كان معتادا على صيد البط في أوزدم، قرب بينامونده ...» وكانت هذه البقعة النائية المتمثلة في جزيرة أوزدم، المتاخمة لساحل شمال شتاتين، مثالية. وسرعان ما تبرع سلاح لوفتفافا وفيرماخت، الجيش الجديد القوي، بمبلغ قدره أحد عشر مليون مارك ألماني لتمويل المرحلة الأولى من إقامة مركز صواريخ بينامونده.
تطور المركز ليصير مكانا رائعا لا نظير له في أي مكان في العالم. وكانت منصة الاختبار 1، التي كانت عبارة عن منشأة ضخمة يزيد ارتفاعها عن الأشجار القريبة، مزودة بمحركات صاروخية تزيد قوة دفعها عن 200 ألف رطل؛ بينما كانت منصة الاختبار 7، التي كان ارتفاعها مائة قدم، تستطيع حمل صاروخ «إيه-4» كامل في وضع إشعال استاتيكي لمحركه، ثم تعود إلى الوضع السابق استعدادا للانطلاق. سعت هيئة القياسات، وهي مركز متخصص في استخدام الأدوات المتطورة، إلى وضع نظم توجيه تعمل بأسلوب التحكم الآلي. وكان ثمة مصنع لإنتاج الأكسجين السائل، ونفق هوائي بسرعات تفوق سرعة الصوت، وموقع رادار، ومنصة لإطلاق الصواريخ البحرية غير المأهولة، فضلا عن منشآت إنتاج لتصنيع صواريخ «إيه-4»، يعادل طول كل منها ارتفاع مبنى من أربعة طوابق، من خلال خط تجميع. بالإضافة إلى وجود معسكر لأسرى الحرب، الذين كانوا يخدمون كعمال في المركز.
كانت بينامونده في حاجة إلى هذه المختبرات البحثية؛ إذ كان المهندسون والعلماء العاملون في المركز، أثناء مباشرة عملهم في تصميم صاروخ «إيه-4»، يقدمون ابتكارات غير مسبوقة في عدة مجالات. وقد استحوذ محركه الصاروخي على الاهتمام مبكرا؛ فقد كانت قدرة المحرك تتجاوز 800 ألف حصان، وكان يتعين تبريده مثل أي محرك، وكانت خزانات التبريد المملوءة بالمياه ثقيلة للغاية، لكن كان لدى والتر ثيل، الذي كان مسئولا عن تطوير الصواريخ، أسلوب مختلف، ألا وهو التبريد الاسترجاعي. كان هذا النوع من التبريد يقتضي تدفق الوقود، ممثلا في الكحول، عبر أنابيب رفيعة تحيط بغرفة الدفع والفوهة من الخارج، ثم يمتص الوقود الحرارة، وعندما ترتفع درجة حرارته بشدة، يحترق بقوة مولدا مزيدا من الطاقة.
على الرغم من ذلك، أظهرت تجارب ثيل أن هذا الأسلوب وحده لم يكن كافيا؛ فالمحركات التي يجري تبريدها بأسلوب التبريد الاسترجاعي كانت تحترق في المواضع الساخنة من المحرك، وتصدر عنها انفجارات هائلة، وكان الحل هو عمل ثقوب صغيرة قرب نهاية الفوهة، في أضيق مواضع المحرك وأكثرها سخونة. ويعمل الكحول، المتسرب عبر هذه الثقوب، كطبقة تبريد عازلة وواقية فوق لوح الفوهة المعدني؛ ويعرف هذا الأسلوب في التبريد باسم التبريد الغشائي. وبالفعل نجح هذا الأسلوب وساعد في بناء محرك يمكن التعويل عليه.
بالإضافة إلى ذلك، ظهرت مشكلة أخرى وهي كيفية تزويد هذا المحرك بوقود دفعي بمعدل السرعة المطلوبة، وهو 275 رطلا في الثانية. حققت الخزانات المكيفة الضغط نجاحا في الصواريخ الصغيرة، لكن في الخزانات الكبيرة لصواريخ «إيه-4»، اقتضى الأمر تصنيع خزانات ثقيلة للغاية حتى تستطيع مقاومة الضغط الناتج. وكان من بين البدائل المطروحة استخدام مضخة توربينية، وهي عبارة عن مضخة تعمل بتوربين بخاري خفيف الوزن؛ الأمر الذي بدت متطلبات تحقيقه مخيبة للآمال.
Shafi da ba'a sani ba