183

Cadd Tanazuli

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

Nau'ikan

مع اختراق مجال الأرصاد الجوية من ارتفاع بضعة مئات من الأميال، بدا واضحا أن الخطوة التالية ستتمثل في تقديم أرصاد من مدارات جيوتزامنية. مع ذلك، كانت متطلبات علم الأرصاد الجوية تختلف عن متطلبات الاتصال. لم يكن في مقدور مركبة فضائية متزامنة مع الأرض، تحوم فوق خط الاستواء، رصد المناطق القطبية؛ وتسبب هذا في بعض المشكلات في الخدمة التليفزيونية والهاتفية؛ نظرا لأن الطلب كله كان متركزا فعليا في خطوط العرض المعتدلة المناخ، بعيدا جدا عن القطبين، حيث كانت تعيش شعوب العالم. لكن، كان لمنطقتي القطب الشمالي والقطب الجنوبي تأثير مهم في حالة الجو المناخية، ومن ثم كان من المهم رصد هاتين المنطقتين عن قرب. بالإضافة إلى ذلك، في ظل استخدام نظام الإرسال التلقائي للصور، حظي خبراء توقعات حالة الطقس في جميع أنحاء العالم بميزة المحطات الأرضية البسيطة وغير المكلفة. لم تكن المدارات الجيوتزامنية لتضيف مزيدا من التحسين إلى هذه العملية.

بناء على ذلك، وعلى عكس التحول القوي نحو المدارات الجيوتزامنية من قبل خبراء الاتصالات، استغرقت هذه الخطوة فترة أطول بكثير بالنسبة إلى علماء الأرصاد الجوية. دعما لهذا الاتجاه، لجأت ناسا في عام 1966 إلى تركيب كاميرا أبيض وأسود في القمر «إيه تي إس-1» الجيوتزامني، ووضعت كاميرا ألوان في القمر «إيه تي إس-3» بعدها بعام. في البداية، كان علماء الأرصاد الجوية يرغبون في معرفة ما قد يرونه جديدا، وبالفعل شاهدوا الكثير. رصد القمر «إيه تي إس-1» أحد نصفي الكرة الأرضية كاملا؛ حيث عرضت مجموعة من الصور ستة أعاصير متزامنة وعواصف مماثلة ، خمس عواصف منها في المحيط الهادئ وعاصفة في منطقة الكاريبي. قال فرنر سيومي من جامعة ويسكونسن، الذي صمم هذه الكاميرا، في تعقيب على هذا الأمر: «هنا، يتحرك الطقس وليس القمر الصناعي.» يسرت الصور المرسلة بانتظام من هذه الأقمار، التي ظلت ثابتة في مكانها على ارتفاعات شاهقة، من متابعة تطور العواصف الكبرى وتبددها. باستخدام صور الفواصل الزمنية، أعد علماء مثل سيومي أفلاما - بعضها ملون - تعرض الدورة الكاملة للأعاصير وغيرها من أنماط الطقس الأخرى.

استغرق الأمر سنوات عديدة لتطوير نظام جاهز للتشغيل؛ نظرا لما واجهه من تأجيلات وسط قرارات خفض ميزانية ناسا في أوائل السبعينيات من القرن العشرين. على الرغم من ذلك، أبرمت ناسا عقدا مع شركة «فورد إيروسبيس» لبناء نموذجين أولين، فيما عرف ببرنامج أقمار الأرصاد الجوية المتزامنة. بلغ هذان القمران مدارا فضائيا في عامي 1974 و1975.

في تلك الأثناء، في عام 1970، أدمج مكتب الأرصاد الجوية في مؤسسة كبيرة، وهي الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، ضمن وزارة التجارة. كانت الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي قد أطلقت اسمها على نوع جديد من المركبات الفضائية المدارية القطبية التي حلت محل أقمار «تيروس» الأولى، حيث كانت تدور حول الأرض على ارتفاعات تصل إلى ألف ميل. تولت الوكالة أيضا مسئولية المركبات الفضائية المدارية الجيوتزامنية، حيث قسمت العقدين بين شركتي «فورد إيروسبيس» و«هيوز». كانت هذه السلسلة المستمرة من الأقمار الصناعية - فيما عرف ببرنامج القمر الصناعي البيئي التشغيلي الثابت بالنسبة إلى الأرض - ترصد أنصافا كاملة للكرة الأرضية في ضوء الشمس وفي الأشعة تحت الحمراء، وتلتقط صورا كل ثلاثين دقيقة. ساهم الدمج بين الأقمار الصناعية البيئية التشغيلية الثابتة بالنسبة إلى الأرض وأقمار الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي في بلورة الأرصاد الجوية في صورتها النهائية. ثم، بدأت صور الأرصاد الجوية المأخوذة في الفضاء تظهر في الصحف اليومية، حيث كانت الخطوط الساحلية وحدود الدول تحدد بواسطة الكمبيوتر.

أظهرت هذه الصور ما هو أكثر من مجرد تكوينات السحب؛ فقد عرضت كتلا جليدية في الجبال، وتيارات محيطية مثل تيار الخليج، وسلوك الجليد في المناطق القطبية، ومن ثم كانت توفر بيانات ذات أهمية كبرى في مجال دراسة الموارد المائية، وعلم دراسة المحيطات، وعلم دراسة الجليد. ظهرت تطورات أخرى من خلال التصوير الفوتوغرافي الجوي في مجال الأشعة تحت الحمراء، وباستخدام أجهزة المسح والأفلام الملونة الحساسة للأطوال الموجية المناسبة، اكتشف الباحثون أنهم يستطيعون وضع خرائط لمناطق الغابات والمساحات الخضراء والأراضي الزراعية، وكذلك تحديد حالة الأشجار والمحاصيل وإذا كانت مصابة بأمراض أم لا. كانت الصور الملتقطة بالأشعة تحت الحمراء تقدم أيضا تفاصيل جديدة حول الخرائط الجيولوجية، تتضح فيها خطوط الصدوع والتشكيلات الصخرية الكبرى.

كان ويليام بيكورا، مدير وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية، من أوائل المؤيدين لاستخدام الأقمار الصناعية في إجراء تلك الأرصاد الجوية. حصل على دعم قوي من وزارة الداخلية، الكيان الأم للوكالة؛ مما دفع ناسا إلى اتخاذ خطوات فعلية. كان برنامج «نيمبس» بمنزلة نقطة انطلاق، حيث كانت أقماره الصناعية تعمل كمنصات اختبار للمعدات الجديدة. في عام 1969، حولت ناسا تركيز هذا البرنامج من الأحوال الجوية إلى مجال الأرصاد الأرضية الجديد.

انطلق نموذج جديد مجهز جيدا من قمر «نيمبس»، أطلق عليه لاحقا «لاندسات 1»، إلى مدار قطبي في منتصف عام 1972. شهدت السنوات الاثنتي عشرة التي أعقبت ذلك إطلاق أربع مركبات فضائية من هذا الطراز، وخلال منتصف الثمانينات من القرن العشرين، اقترب برنامج «لاندسات» من وضع التشغيل الفعلي، وعهدت إدارة ريجان بالبرنامج إلى «إيوسات»، وهي شركة تجارية كانت تمثل مشروعا مشتركا بين شركتي «هيوز» و«آر سي إيه». بالإضافة إلى ذلك، انضمت فرنسا إلى السباق من خلال نظامها التجاري الخاص المسمى القمر الصناعي الفرنسي لرصد الأرض («سبوت»)، مطلقة أول أقمارها الصناعية في عام 1986.

التقط رواد الفضاء في محطة «سكايلاب» صورا مماثلة في غضون أشهر قليلة، في حين كانت أقمار «لاندسات» و«سبوت» ترسل صورا عاما بعد عام. استطاعت هذه الأقمار أن ترصد علامات تشير إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، منها: ارتفاع مناسيب الأنهار الجليدية في ألاسكا، وتصدع الجروف الجليدية مكونة جبالا جليدية هائلة. كذلك، قدمت الصور الملتقطة عبر هذه الأقمار بيانات حول عدد من الموضوعات البيئية، مثل زحف الصحراء الكبرى جنوبا، وتجرف الغابات المطيرة في حوض الأمازون. استخدمت أيضا صور «لاندسات» في الولايات المتحدة الجيدة التخطيط، حيث دعمت عمليات المسح الخاصة باستعمال الأراضي وحجم الأراضي الرطبة.

اتسمت التحولات التي تعقبتها تلك الصور بالبطء في كثير من الأحيان؛ إذ كان يمكن أن تحتفظ أحيانا مجموعة واحدة من الصور الجيدة بقيمتها لسنوات عديدة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الطائرات تستطيع إجراء عمليات مسح محدثة؛ لذلك، كانت مركبات «لاندسات» قليلة العدد وتطلق على فترات متباعدة؛ إذ لم تكن ثمة حاجة إلى عمليات إطلاق سريعة. لكن، كان الطلب كبيرا على الصور. في البداية، أتاحت وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية الصور من خلال مكتبها في مدينة سيو فولز بولاية داكوتا الجنوبية، ثم أضفت «إيوسات» مزيدا من الراحة والسهولة في توفير الخدمة من خلال عرضها في مركز قرب واشنطن العاصمة، مع توفير جميع الخبراء اللازمين.

في ظل هذه الاستخدامات، شكلت الأقمار غير المأهولة لناسا وغيرها من الوكالات الأخرى تعارضا حادا مع «أبولو». نشأ برنامج أبولو وسط مخاوف من التفوق السوفييتي، لكن الولايات المتحدة استطاعت من خلال ريادته في مجالات الاتصالات والطقس والأرصاد الأرضية أن تبرهن على حقيقة التفوق الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، كان «أبولو» يختلف عن هذه الاستخدامات إلى حد ما تماما كما يختلف موكب ملكي عن طريق سريع منشأ حديثا. كانت عمليات الهبوط على سطح القمر أحداثا يعجب المرء بها عن بعد دون أن يلمس لها أثرا مباشرا في حياته؛ أما الخدمات الجديدة من تليفزيون وشبكات هاتف وتوقعات للأرصاد، فقد استفاد منها الجميع. وفي حين أبهر «أبولو» دول العالم الثالث، ساعدت الأقمار الصناعية الجديدة في منح شعوب هذه الدول ميزات العالم الأول؛ فالتليفزيون والهاتف صارا مطلبا جماعيا، بينما دخلت خدمات الأرصاد الجوية مجتمعات كانت تؤمن بالمأثورات الشعبية.

Shafi da ba'a sani ba