159

Cadd Tanazuli

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

Nau'ikan

قال كينج: «إنها تنطلق، فعلناها. نجحنا في الإطلاق.»

قال كرونكايت بصوت شديد التأثر: «ها هي تغادر البرج، على عمود ساطع من اللهب.» ثم أضاف وهو يحاول جاهدا أن يجعل صوته أعلى من صوت الهدير: «نحن نهتز، نشعر بالدوي الهائل الآن. إنها تنطلق في خط مستقيم، وها هي تعتدل قليلا. تبدو رائعة، لسان لهب ياقوتي ساطع! سبعة ملايين ونصف مليون رطل، ها هم يمضون في طريقهم إلى القمر!»

الفصل التاسع

حصيلة الرحلات الفضائية إلى القمر

المحطات الفضائية والمكوك الفضائي

في أواخر عام 1968، انطلقت «أبولو 8» في رحلتها في ذروة حرب فيتنام. كان أحد الأسباب المهمة وراء مشروع «أبولو»، الذي يعود إلى عام 1961، هو رغبة الولايات المتحدة في إبهار دول العالم الثالث بقوة أمريكا الفنية؛ ومن ثم إثناؤها عن اعتناق الشيوعية. كانت حرب فيتنام قد انبثقت عن الأصل نفسه؛ فقد صدرت الأوامر بخوض حرب فيتنام وبدء مشروع «أبولو» عن قيادة الرئيس كينيدي. صرح كينيدي في خطابه الافتتاحي، الذي ألقاه في عام 1961 أيضا، بأن البلاد «ستدفع أي ثمن، وتتحمل أي عبء» في سبيل الانتصار في «الصراع الطويل المرير» ضد الشيوعية. بيد أن العالم قد تغير منذ ذلك الحين؛ كانت الحرب الباردة تضع أوزارها، وهو ما جعل تصور الانسحاب من فيتنام دون اشتراط النصر أمرا ممكنا. ولأن ناسا كانت قد تطورت لتكون إحدى أدوات الحرب الباردة، أصابها التغيير هي الأخرى.

بدأ الصراع يتراجع وتخف حدته في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية. في غضون أشهر، التقى الدبلوماسيون الأمريكيون والسوفييت لتوقيع معاهدة تجرم إجراء اختبارات على الأسلحة النووية فوق سطح الأرض، وهو ما مثل وقتها خطوة مهمة نحو الحد من الأسلحة. أثبتت المعاهدة إمكانية تحول القوى العظمى من المواجهة إلى التفاوض. في هذا المناخ، ومع تراجع النظر إلى الحرب النووية بوصفها خطرا وشيكا، كانت البلاد توجه اهتمامها نحو الشئون المحلية، وكان سباق الفضاء هو الموضوع الأساسي الذي برز خلال عام 1963.

ليس من قبيل المصادفة أن تصدرت حركة الحقوق المدنية الاهتمام وسط تراجع حدة التوترات بين القوتين العظميين. لا تجري الدول برامج إصلاح شاملة في ظل تهديد الحرب؛ إذ يجب إرجاء هذا الإصلاح إلى وقت السلم. يرجع عصر الحقوق المدنية الحديثة إلى عام 1954، عندما أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها التاريخي الذي يقضي بأن الفصل العنصري في المدارس غير دستوري؛ لكن، على الرغم من ذلك، تطلب الأمر عقدا آخر لحشد الاهتمام العام بدرجة كبيرة تسمح بسن التشريع الملائم. بعد ذلك، صارت قوانين الحقوق المدنية هذه جزءا من حركة تغيير أوسع نطاقا في وقت السلم، وهي حركة «المجتمع العظيم».

تصاعدت الحرب في فيتنام - أحد الآثار الأخرى للحرب الباردة - خلال ستينيات القرن العشرين، على الرغم من تراجع حدة التوترات بين القوتين العظميين. دعم عموم الشعب الأمريكي المجهود الحربي، وسط تطمينات من الرئيس جونسون وقادة آخرين بأن الصراع سينتهي قريبا. ثم في فبراير 1968، شن شمال فيتنام وفيت كونج - حلفاؤها في جنوب فيتنام - هجوما كبيرا. فشل الهجوم عسكريا، عندما أفضت الهجمات الأمريكية المضادة إلى هزيمة العدو؛ بيد أن الهجوم حقق نجاحا باهرا بإقناع الولايات المتحدة بأن الشيوعيين دخلوا الحرب غير مبارحين ولن يستسلموا. في أعقاب هذا الهجوم، استجابت واشنطن إلى ذلك، ليس من خلال مزيد من التصعيد، بل بإجراء محادثات فض اشتباك. أثناء الحملة الرئاسية، وعد ريتشارد نيكسون بإنهاء الحرب، وعندما فاز في الانتخابات، بدا واضحا أن الولايات المتحدة تنوي الانسحاب حقا من فيتنام، حتى إذا كانت التفاصيل غير مؤكدة.

ومثلما أدى فتور حدة الحرب الباردة إلى الانسحاب من فيتنام، كان من المقرر أن تؤدي أيضا إلى تراجع مماثل من القمر. في الوقت الذي حققت فيه «أبولو» نجاحا كاملا وأصبحت ناسا قاب قوسين أو أدنى من القمر، حالت الأولويات المتغيرة على مستوى البلاد دون أن تواصل هذه الوكالة برنامج متابعة لإجراء عملية استكشاف موسعة للقمر؛ مما أدى إلى إرسال رحلات مأهولة إلى المريخ. وبدلا من أن يمضي برنامج الفضاء إلى الأمام باعتباره محور آمال الأمة، صار يبحث عن دوره في عالم رتيب بعيد عن الخيال والإبداع، مع خبو جذوة التحدي الذي أعلنه كينيدي، ومع نظر الكثيرين إلى «أبولو» باعتباره إهدارا للمال.

Shafi da ba'a sani ba