152

Cadd Tanazuli

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

Nau'ikan

أعجب خروتشوف بالقنابل الكبيرة؛ إذ كان أحد نماذج هذه القنابل، التي جرى اختبارها في نوفمبر 1961 وكانت تزن 50 ميجا طنا، لديه من القوة ما يجعله قادرا على تحويل منطقة نيويورك الحضرية بأكملها إلى منطقة تشبه هيروشيما. لكن هذه الأسلحة كانت ثقيلة؛ حيث كانت تعتمد على غلاف خارجي كبير من اليورانيوم لتلقي النيوترونات من مركز نووي حراري، ولإنتاج معظم الآثار الانفجارية أثناء التفاعلات الانشطارية. لم يكن ثمة أي صاروخ باليستي عابر للقارات بوسعه نقل هذه الحمولة ، بما في ذلك الصاروخ «آر-16». لم يصرح الكرملين بتطوير صاروخ تشلومي فحسب، بل صرح أيضا بتطوير محرك جديد.

حصل جلشكو على مهمة بناء هذا المحرك الجديد، «آر دي-253». بلغت قوة دفعه 150 طنا متريا، أو 330 ألف رطل، وكان من المقرر أن يستخدم وقودا قابلا للتخزين . كان من المقرر أن يستخدم صاروخ تشلومي، «يو آر-500»، ستة من تلك المحركات للحصول على قوة دفع مليوني رطل، وهو ما يزيد بحوالي 1,5 مليون رطل عن قوة الدفع في الصاروخ «ساتورن» ذي المحركات الثمانية الذي طوره فون براون. جدير بالملاحظة أنه بينما لم يكتشف مصممو «ساتورن» استخداما عسكريا له، كان الصاروخ «يو آر-500» استخداما عسكريا منذ البداية. لكن، لم يكن مبدأ الولايات المتحدة الاستراتيجي يستلزم قنابل زنة ثلاثين ميجا طنا، فضلا عن صواريخ باليستية عابرة للقارات لحملها.

كان واضحا منذ البداية أن «يو آر-500» سيكون صاروخ تعزيز فضائيا رائعا. في عام 1961، أصدر خروتشوف توجيها إلى تشلومي باستخدام الصاروخ لهذا الغرض، وبتصميم مركبة فضائية تستطيع أن تقل شخصا في رحلة دائرية حول القمر. كانت هذه هي الرحلة الدائرية نفسها حول القمر التي كانت ناسا قد تقدمت بمقترح بها إلى آيزنهاور في ديسمبر الماضي. في هذا الدور الجديد، اكتسب «يو آر-500» الاسم الجديد «بروتون».

في تلك الأثناء، كان كوروليف يكمل التصميمات المبدئية لصواريخ التعزيز الثقيلة الحمولة، وواجه مسألة المحركات. كان بإمكانه أن يستخدم محرك جلشكو إذا أراد، بيد أنهم استخدموا فيه حمض النيتريك وهو ما لم يكن ليقربه. لم يستطع كوروليف أيضا أن يهيئ الأجواء لجلشكو كي يبتكر نماذج جديدة أكثر توافقا مع ما كان يريده؛ حيث كان جلشكو مشغولا تماما بمشروع منفصل، وهو تصميم محرك بقوة دفع 1,3 مليون رطل يستخدم أيضا الوقود القابل للتخزين. لكن كوروليف يحتفظ بورقة رابحة؛ إذ كان ينمي مهارات مصنع جديد لمحركات الصواريخ، وهو نيكولاي كوزنتسوف، الذي كانت لديه دراية سابقة بوصفه مصمم توربينات نفاثة للطائرات.

كان كوروليف قد استعان قبل ذلك بكوزننتسوف وساعده في الدخول إلى علم الصواريخ بإعطاء توجيهات له بتصميم «إن كيه-9»، وهو محرك كان كوروليف يسعى لاستخدامه في صاروخه الباليستي العابر للقارات «آر-9»، الذي كان منافسا للصاروخ «آر-16» لفانجل. اتفق كوروليف مع كوزننتسوف على تطوير نسختين محدثتين من محرك «إن كيه-9»، وهما «إن كيه-15» و«إن كيه-15في»، للمرحلتين الأولى والثانية من صاروخ التعزيز المقترح. كما كان سيستخدم محرك «إن كيه-9»، لصاروخ المرحلة الثالثة.

ربما كانت هذه الخطة تتضمن في ظاهرها القرار المباشر نفسه الذي كانت شركة «مارتن» قد اتخذته في تصميم الصاروخ «تايتان 2»؛ حيث أدى تفضيل الوقود القابل للتخزين إلى اختيار الشركة لمحركات من إنتاج «إيروجت» بدلا من «روكيت داين». في حقيقة الأمر، أدت القرارات في موسكو إلى نشوب نزاع شديد بين كوروليف وجلشكو.

ترجع جذور النزاع إلى خلاف سابق حول محركات الصاروخ «آر-9» الباليستي العابر للقارات؛ حاول جلشكو بناء المحركات لكنه واجه مشكلات جمة. قصد كوروليف الكرملين وأصر على السماح له بالاستغناء عن محرك جلشكو لصالح محرك كوزننتسوف «إن كيه-9» الجديد. استدعت هذه الواقعة المنافسة التي نشأت في عام 1958 حول محرك صاروخ المرحلة العليا في الصاروخ «آر-7». كان جلشكو قد خسر تلك المنافسة لصالح سيمون كوزبرج، وهو وافد جديد آخر ساعده كوروليف أيضا، لكن هذه المرة، لم يقبل جلشكو رغبة كوروليف الواضحة في تحويل مصممي الصواريخ غير المتمرسين إلى غرماء رئيسيين. كان جلشكو يتمتع بنفوذ في موسكو، وقدم التماسا إلى إحدى اللجان؛ فأصدرت اللجنة حكمها ضد كوزننتسوف؛ وهو ما أجبر كوروليف على استخدام محركات من جلشكو في الصاروخ «آر-9» في النهاية.

كانت المحركات تستخدم الكيروسين والأكسجين السائل، الوقود الذي كان كوروليف يفضله. بالنسبة إلى صاروخه التعزيزي الجديد المقترح، زادت مسألة استخدام الوقود القابل للتخزين من وطأة النزاع. كان كوروليف يكره الوقود القابل للتخزين؛ إذ إنه يذكره بوفاة ندلين. لكن، على العكس من ذلك، كان جلشكو ينظر إلى هذا الوقود باعتباره الطريق إلى المستقبل؛ حيث كان يعد ببساطة التصميم. في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، كان الوقود القابل للتخزين يسمح بنشرها في صوامع فضلا عن سرعة إطلاقها، أما في صواريخ التعزيز الفضائية، فكان الوقود القابل للتخزين يعني إمكانية الاعتماد عليها وتقليل عدد محاولات الإطلاق الفاشلة.

بعد أن رفض كوروليف محرك جلشكو «آر دي-253»، رد جلشكو على حسن صنيعه بإعلان عدم اشتراكه في بناء صاروخ كوروليف الجديد الكبير، بما في ذلك محركات مركبته الفضائية المأهولة . لو أن كوروليف كان مولعا للغاية بذلك المبتدئ كوزننتسوف، لاستطاع الذهاب إلى كوزننتسوف لبناء جميع محركاته رغبة منه في تطوير قدراته على حساب جلشكو، ولقضي الأمر. كان كوروليف يدرك جيدا أن مركز جلشكو الهندسي هو الأكثر خبرة في هذا الصدد، لكنه ما كان سيقصد المركز لبناء محركاته؛ حيث كان جلشكو نفسه قد أصبح هو أساس المشكلة.

اتخذ النزاع طابعا شخصيا. قلل جلشكو من شأن العمل الذي يقوم به كوروليف، قائلا إن استخدام محرك جيد كفيل بأن يجعل عصا مكنسة تطير. ساهم هذا الصراع في عرقلة جهود كوروليف في التصميم مع التراجع التدريجي للدعم السياسي الذي كان في حاجة إليه. تدخل خروتشوف بنفسه، محاولا إصلاح ذات البين بين الشريكين اللذين مضت على شراكتهما مدة طويلة، بيد أنه لم يفلح. مع انهيار شراكتهما التي دامت طويلا، تحول كوروليف إلى مصادر أخرى لبناء محركاته الإضافية، وكان من بين هذه المصادر كوزننتسوف.

Shafi da ba'a sani ba