145

Cadd Tanazuli

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

Nau'ikan

كانت عمليات الالتقاء في مدارات قمرية تتطلب ولوج المركبة الفضائية في مدار حول القمر، دون هبوطها على سطحه. لكن بدلا من ذلك، كانت المركبة الفضائية ستصبح بمنزلة سفينة أم، ترسل مركبة هبوط صغيرة تحمل رائدي فضاء إلى سطح القمر ثم تعيدهما، بينما يظل رائد فضاء ثالث في المركبة الأم في مدارها حول القمر؛ ومن ثم، كان يتعين التقاء سفينة الهبوط هذه مع مركبتها الأم، في عملية صعبة تتم على مسافة ربع مليون ميل من الأرض.

لكن نظرا لأن جزءا واحدا فقط من المركبة القمرية كان سيتوجه إلى سطح القمر ويعود منه، تعين الحد كثيرا من المتطلبات العامة من الوقود المستخدم في المركبة؛ ومن ثم، صار من الممكن استخدام مركبة أصغر حجما وأخف وزنا. وفي ظل هذا التوفير في الحجم والوزن والوقود، لم تكن ثمة حاجة إلى إطلاق صاروخين إلى القمر من موقع كيب كانافيرال لتنفيذ بعثة واحدة على سطح القمر، بل صار إطلاق صاروخ واحد من هذين الصاروخين كافيا.

كان هوبولت يدرك منذ البداية أنه في سبيله إلى تحقيق شيء مهم؛ كتب لاحقا يقول: «لا أزال أذكر نوع الحسابات التي كنت أجريها على «ظهر المظروف» لضمان أن تسفر الخطة عن توفير هائل في متطلبات وقود الصواريخ التعزيزية حول الأرض. على نحو عفوي تقريبا، صار واضحا أن عمليات الالتقاء بين المركبات في مدار قمري قدمت سلسلة متتابعة من التبسيط لجميع الإجراءات السابقة عليها في مجال التطوير والاختبار والتصنيع والتنصيب والعد التنازلي وعمليات الطيران ... إلخ. كل تلك الإجراءات جرى تبسيطها. جالت الفكرة بخاطري، ووجدتني أقول لنفسي: «هذا رائع. إذا كانت ثمة أي فكرة نريد الترويج لها، فإنها لا شك هذه الفكرة!» أقسمت على أن أكرس جهودي لتنفيذ الفكرة.»

3

شرع هوبولت في العمل بحماس بالغ، حاثا طاقم عمله على وضع تصميمات جديدة وإجراء حسابات جديدة، مع الإعلان عن الجهود المبذولة من خلال تقديم بيانات موجزة وعروض تقديمية إلى كل من يهمه الأمر. صادف هوبولت موجة شك عارمة، وكان بعضها من اختلاقه. في غمرة حماسه لتصميم مركبة صغيرة جدا تهبط على سطح القمر، أيد تصورات مثل تصميم مركبة يعززها صاروخ يركب على متنها رائد فضاء يرتدي حلة فضائية خاصة، بينما يجلس دون أي غطاء يحميه، مثل بحار في قارب نجاة. بيد أن هوبولت واجه أيضا فرضية قوية تمثلت في أن عمليات الالتحام يجب أن تجري في مدار أرضي، ومن ثم يستطيع رواد الفضاء - في حال فشل إحدى عمليات الالتقاء - الهبوط على سطح القمر من خلال عملية بسيطة تتضمن معاودة الولوج إلى المجال الجوي. لكن في المقابل، كان فشل عملية الالتقاء في مدار قمري يعني احتجاز رواد الفضاء دون أي سبيل للعودة إلى الأرض، ليلقوا حتفهم في مركبة تدور في مدار حول القمر تصير كفنا لهم.

كان هدف هوبولت الأصلي يتمثل في الحصول على دعم مجموعة العمل المعنية بشئون الفضاء في مركز لانجلي، التي كانت مسئولة عن إجراء عمليات التخطيط لمشروع «أبولو». سرعان ما صار مدير المجموعة، روبرت جيلروث، رئيسا لمركز المركبات الفضائية المأهولة، لكنه اعترض على كل التصورات الخاصة بعمليات الالتقاء؛ نظرا لأنه رأى أنها ستصرف التركيز عن بساطة أسلوب الصعود المباشر، أو مثلما صاغها قائلا: «أخشى أن تستخدم خطط الالتقاء كركيزة لوضع تواريخ محددة سلفا لتوفر صواريخ الإطلاق، وأن يجري تجنب صعوبة تطوير صاروخ إطلاق فعال من فئة صواريخ نوفا.»

عندما تراجع الاهتمام بالصاروخ «نوفا»، صرف جيلروث انتباهه إلى عمليات الالتقاء في المدارات الأرضية، لكن مع دراسة مجموعة العمل المعنية بشئون الفضاء لعمليات الالتقاء ، اكتسبت عيوب تلك العمليات أهمية جديدة، بينما صارت مزايا أفكار هوبولت أكثر وضوحا. في حقيقة الأمر، لم تكن ثمة طريقة جيدة للتأكد من أن تتمكن المركبة القمرية الكبيرة - بعد إجراء عمليتي إطلاق للصاروخ «ساتورن 5» لتجميع أجزاء البعثة الفضائية في مدار أرضي - من الهبوط بسلام على سطح القمر، مع الاحتفاظ بكمية كافية من الوقود تستطيع معها العودة إلى الأرض. قال ماكس فاجت، وهو مصمم رائد ضمن مجموعة المهام الفضائية، إن أفضل شيء في أسلوب هوبولت على النقيض من ذلك «أنه سمح لنا ببناء مركبة منفصلة لإجراء عملية الهبوط». بحلول نهاية عام 1961، كان جيلروث وفاجت وبقية أعضاء مجموعة المهام الفضائية في صف هوبولت تماما.

جاء دعم إضافي من مقر ناسا؛ حيث أظهر مدير مشارك جديد يدعى روبرت سيمانز اهتماما كبيرا بعمليات الالتقاء. في «آر سي إيه»، كان سيمانز قد أشرف على دراسات حول الاستخدامات العسكرية لعمليات الالتقاء، لتدمير الأقمار الصناعية التابعة للعدو. في ناسا، علم سيمانز بجهود هوبولت خلال خريف عام 1960 ومنحه تشجيعا كبيرا، ثم في يوليو عام 1961، اختار سيمانز مساعدا فنيا يدعى نيكولاس جولوفين لرئاسة لجنة تتولى اقتراح أسلوب التقاء في مشروع «أبولو». تضمن تقرير اللجنة، الذي صدر في نوفمبر، كلمات طيبة حول أفكار هوبولت، لكنه أكد على الفكرة التقليدية من خلال التوصية بإجراء عملية التقاء في مدار أرضي.

لم يكن هوبولت راضيا عن التقرير. ربما كان سيمانز يشغل أحد أهم المناصب في ناسا، لكن هوبولت كان يتخطى سلسلة القيادة بالكتابة إليه مباشرة، وها هو يفعل هذا مجددا؛ حيث كتب إليه خطابا واصفا نفسه بأنه «صوت منفرد لا يسانده أحد، ينتابه الذعر من التفكير في الأفراد واللجان»، وتساءل هوبولت قائلا: «هل نريد أن نذهب إلى القمر أم لا؟» رد سيمانز على هوبولت بخطاب خاص، مشيرا إلى أن موضوعات هوبولت «تستحق دراسة جادة»، كما أثنى على نشاط هوبولت ومبادرته قائلا: «سيكون لتقييد قدرات أطقم عملنا المؤهلة من خلال اللوائح المقيدة مردود سيئ وضرر بالغ على مؤسساتنا وبلادنا.»

لم يكن هذا تصديقا على أسلوب هوبولت، بل كان يعني أن سيمانز كان سيحرص على أن يحظى أسلوب هوبولت بدراسة مفصلة في صناعة المركبات الفضائية. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن جيلروث قد غير رأيه لينحاز إلى دعم عمليات الالتقاء في مدارات قمرية، كان فون براون لا يزال يروج بشدة لإجراء عمليات الالتقاء في مدارات أرضية. كان من الضروري أن يتفقا على رأي واحد، وكانت الدراسات الجديدة سببا في اقتناع فون براون أيضا وتغيير رأيه؛ ففي لقاء مهم في يونيو 1962، أعلن فون براون عن تغيير رأيه. انضم مركز مارشال لرحلات الفضاء، الذي كان فون براون يديره، إلى مركز المركبات الفضائية المأهولة الذي كان تحت قيادة جيلروث لدعم إجراء عملية التقاء في مدار قمري باعتبارها عاملا أساسيا في نجاح «أبولو».

Shafi da ba'a sani ba