144

Cadd Tanazuli

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

Nau'ikan

لكن في مجموعة المهام الفضائية، وفي شركة «ماكدونل إيركرافت» التي بنت كبسولات «ميركوري»، كان ثمة عدد من الأشخاص يدرسون التصميمات المتطورة التي كان يمكن من خلالها تطوير الصاروخ «ميركوري»، مع تدريب رواد الفضاء على ريادة مركبة «أبولو». في ديسمبر حققت هذه الخطط ثمارها؛ إذ أعلنت ناسا أن الخطوة التالية بعد «ميركوري» ستتضمن مركبة على متنها شخصان، واسمها «جيميني». كانت البعثة ستتضمن تطوير خبرات في جميع المهارات المطلوبة في بعثة هبوط على سطح القمر، مثل أطقم عمل في مدار فضائي، والتقاء، والتحام أو اقتران، وعمليات سير في الفضاء، ورحلات فضائية تصل مدتها إلى أربعة عشر يوما، وعمليات تحكم أرضية لعدة مركبات فضائية. على وجه التحديد، سيحدث التحام بين مركبة «جيميني» وأحد صواريخ «أجينا» المرحلية المطلقة في مدار محدد ودفعه إلى مدار أعلى، وهو ما سيحاكي العملية الأساسية في الرحلة القادمة إلى القمر.

خلال هذا الشهر نفسه شهر ديسمبر الحافل بالأحداث، تلقت شركة «دوجلاس إيركرافت» عقدا لتنفيذ المرحلة الثالثة من الصاروخ «ساتورن 5»؛ «إس-4 بي». كانت شركة «دوجلاس» تبني المرحلة الثانية من الصاروخ «ساتورن»، وهو الصاروخ «إس-4» الذي يشتمل على ستة محركات طراز «سينتاور». كان التصميم الجديد سيستخدم محرك «جيه-2» واحدا بدلا من محركات «سينتاور». كان هذا التصميم يمثل طفرة في الحجم، من «ساتورن» إلى «ساتورن 5»؛ ذلك أن صاروخ المرحلة الثانية من الصاروخ «ساتورن» - حتى مع تزويده بالمحرك الجديد الذي تبلغ قوة دفعه مائتي ألف رطل - لم يكن يستخدم إلا كصاروخ مرحلة ثالثة في الصاروخ «ساتورن 5».

في تلك الأثناء، كانت ناسا قد انتهت من وضع المخطط المبدئي لجهود التطوير، الذي ضاهى خلال ستة أشهر فقط ذروة جهود البنتاجون لتطوير الصواريخ في الفترة بين عامي 1954 و1956. أسفرت الجهود الأولى عن إقامة ثلاث مؤسسات جديدة، هي «رامو وولدريدج» وقسم التطوير الغربي ومكتب المشروعات الخاصة الخاضع لإشراف الأدميرال رابورن، وستة برامج: «أطلس»، و«تايتان»، و«ثور»، و«جوبيتر»، و«بولاريس» الذي يتضمن غواصات فئة «جورج واشنطن»، وصاروخ «دبليو إس-117إل» الذي يشتمل على صاروخ المرحلة العليا «أجينا».

بلغ عدد المؤسسات المنبثقة عن ناسا وقتها أربع مؤسسات، وعدد المشروعات الجديدة خمسة. تضمنت المؤسسات الجديدة ميناء جزيرة ميريت القمري، ومركز المركبات الفضائية المأهولة في هيوستن، ومنشأة اختبارات المسيسبي للاختبارات الاستاتيكية للمراحل الكاملة، ومصنع ميشو المختص بتجميعها. شملت المشروعات الجديدة، التي كانت جميعها مشروطة بعقود تنتهي بنهاية العام، مشروع «جيميني» ومركبة «أبولو» الفضائية للهبوط على سطح القمر، وثلاثة صواريخ مرحلية للصاروخ «ساتورن 5»، كل منها يمثل جهدا عظيما في حد ذاته. استطاعت أيضا وكالة ناسا الفخر بإرثها من وكالة المشروعات البحثية المتقدمة والجيش، متمثلا في مركز مارشال لرحلات الفضاء وبرنامج «ساتورن» التابع له، ومختبر الدفع النفاث، ومحركي «إف-1» و«جيه-2». كان ذلك يمثل بلا شك قفزة عملاقة، ربما للإنسانية لكن بكل تأكيد لناسا أيضا.

لكن، اعتبارا من أوائل عام 1962، كان الصاروخ موجودا كتصميم على الورق أكثر منه نموذجا فعليا وملموسا. كانت محركات الصاروخ الكبير تهدر على منصات الاختبارات؛ حيث كان محرك «إف-1» يشتمل على مضخات توربينية خاصة، ودار أول محرك طراز «جيه-2» بنهاية شهر يناير. بالإضافة إلى ذلك، كان محرك «ساتورن» الذي يشتمل على ثمانية محركات قد أبلى بلاء رائعا عند إطلاقه في أكتوبر؛ إذ إنه على الرغم من انطلاقه لمسافة لا تكاد تزيد عن مائتي ميل من مركز كيب إلى اتجاه المسار، وضعت قوة دفعه التي بلغت 1,5 مليون رطل الولايات المتحدة في صدارة القوة الصاروخية للمرة الأولى. لكن، لم تكن إقامة منشآت «أبولو» الجديدة بهذه السلاسة دائما.

كان مصنع ميشو مثالا مباشرا على ذلك وفي صلب الموضوع؛ فقد سمي المصنع على اسم الثري أنطوان ميشو في نيو أورلينز، وهو تاجر خردة وشخص منعزل كان يملك أرض المصنع. كانت الحكومة قد تركت الأرض دون استخدام منذ عام 1954 كما لو كانت تحافظ على ماضيها الفوضوي، وكان الوضع مزريا؛ فقد كانت الأرض مرتعا للفئران وقذرة من جراء فيضان حديث. أشار الكاتب المتخصص في شئون الطيران روبرت سترلينج إلى «بيوت العناكب، والأتربة، والقاذورات، والشقوق والتصدعات الأرضية، والأعمدة الصدئة، والرافعات العليا المتآكلة». مع ذلك، كل ما كانت تحتاج إليه هذه الأرض، التي تبلغ مساحتها ثلاثة وأربعين فدانا، هو عملية تنظيف جيدة. كان الوضع في منشأة اختبارات المسيسبي أسوأ.

كانت منشأة اختبارات المسيسبي تحتوي على طين من نهر المسيسبي، وشجيرات سرو مشبعة بالرطوبة، وثعابين سامة، وكميات هائلة من الناموس. كان من بين مناطق الترفيه المحلية مستنقع الشيطان وجدول النمر الميت، بينما كانت توجد بعض الحيوانات البرية التي من بينها خنازير برية تنحدر في أصولها إلى خنازير مزارع محلية. كانت منصة الاختبارات الرئيسية تتطلب ألفا وستمائة عمود لإرساء الأساس، يبلغ طول كل منها مائة قدم، وزاد الطين بلة عندما هطلت الأمطار بغزارة شديدة ذات شتاء، مسجلة رقما قياسيا غير مسبوق منذ ثلاثين عاما. كان من المخطط أن يبلغ ارتفاع منصة الاختبار أكثر من أربعمائة قدم، وهو ما كان يجعلها المنشأة الأطول في ولاية مسيسبي، بيد أن تجهيزها بحيث تصبح صالحة للاستخدام قد استمر حتى عام 1966. مع ذلك، لم يكن الأمر سيئا من جميع الأوجه؛ حيث لم يكن العلاج من عضة الثعابين يتكلف أكثر من 1,25 دولار أمريكي.

على الرغم من ذلك، ظل برنامج «أبولو» في عام 1962 من البرامج التي يستطيع شخص واحد من خلاله أن يصنع فارقا كبيرا، وذلك على الرغم من سرعة إيقاع العمل في البرنامج وضخامة حجمه. كان ذلك الرجل هو جون هوبولت، أحد المديرين في مختبر لانجلي التابع لناسا الذي كان قد فرغ من إجراء تحقيق ناجح حول سبب فقدان طائرات «إلكترا» التي تصنعها شركة «لوكهيد» للأجنحة أثناء الطيران. في عام 1959، في ظل خطط ما بعد الصاروخ «ميركوري» في جدول الأعمال، شكل هوبولت لجنة لبحث مشكلات تتعلق بالتقاء المركبات. كان هذا أسلوبا مميزا. في عالم لم يكن فيه أحد يمتلك أي نوع من الخبرة العملية في مجال البعثات المأهولة، كان من المهم انتقاء الأشخاص المميزين بدلا من البحث دون جدوى عن اختصاصيين متمرسين.

كان عمل هوبولت الأساسي يركز على عمليات الاتصال بمحطة فضائية، لكنه توسع في ذلك ليشمل الأمر البعثات القمرية، وصار فريق عمله يمثل نقطة جذب لكل من له اهتمام في لانجلي بأساليب التقاء المركبات الفضائية. ثم في مايو 1960، قدم إليه أحد الزملاء أسلوبا جديدا في «أبولو» يختص بالتقاء المركبات الفضائية في المدارات القمرية. كان الأسلوب يتعارض بشدة مع الأساليب التي كانت تستحوذ على الاهتمام الأكبر، وبدا كما لو كان يتضمن مميزات هائلة.

كانت أساليب الالتقاء التقليدية تتضمن مركبة قمرية مأهولة كبيرة تلج في مدار حول القمر، وتهبط على سطحه، ثم تعود إلى الأرض. كان أحد الصواريخ التعزيزية للصاروخ «نوفا» يستطيع إرسال المركبة القمرية إلى القمر مباشرة. كانت الصواريخ التعزيزية الأصغر، بما فيها الصاروخ «ساتورن 5» في صورته النهائية، تبدأ بإطلاق المركبة القمرية في مدار حول الأرض، لتلتقي مع صاروخ مرحلة كبير يتطلب عملية إطلاق منفصلة. لكن، بعد عملية الالتقاء هذه التي تتم في المدار الأرضي، كانت المركبة القمرية تضم جميع الرواد الموجودين على متنها معا خلال بقية البعثة.

Shafi da ba'a sani ba