103

وعلى كثرة من قتل خالد في حروبه لم يكن يقتل أحدا قط وهو يشك في صواب قتله وإن أخطأ وجه الصواب، فالقتلى الذين طاحت بهم سيوف الجلادين بأمره في «نهر الدم» كانوا يستحقون عنده القتل قربانا إلى الله وجزاء لهم على عناد الشرك والإصرار.

أما إذا شك في صوابه فهو يستكثر المساءة إلى رجل واحد فضلا عن الجحافل والقبائل، ويسبق إلى الرفق رجلا كأبي عبيدة عرف طوال حياته بالرفق والرحمة والأناة. فيقول له وقد تناول رجلا بشيء: «إني لم أرد أن أغضبك، ولكني سمعت رسول الله

صلى الله عليه وسلم

يقول: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة أشد الناس عذابا للناس في الدنيا».»

فهو مطبوع على عداء الجندي المقاتل وليس بالمطبوع على عداء الدسيسة والشر في صغائر العيش وسفاسف الأمور.

كذلك لا يفهم من ولعه بالحرب على هذه الصفة أنه كان مبتلى بذلك الولع الأهوج الذي يبتلى به من لا يعقلون هجوما إلا كهجوم الريح أو فرارا إلا كفرار الحيوان.

فقد كان يقدم عن علم بمواضع الإقدام؛ ولذلك لم ينهزم قط وهو مسئول عن الهزيمة ... وإنما هزم في حنين مرة واحدة وهو مسئول عن اليوم كله كما قدمناه.

أما إذا وجب التراجع، فالشجاعة كل الشجاعة عنده أن يؤمن بهذه الحقيقة وأن يدبر أمر التراجع بعد ذلك على النحو الذي يصون الكرامة ويصون الدماء، ويكون المخدوع المغلوب فيه هو الذي أمكن التراجع من بين يديه، وقد كان في وسعه أن يبطش بالمتراجعين جميعا قبل أن يفلتوا من أوهاقه المطبقة عليهم.

هذه هي الجندية البصيرة بمزاياها في الكفة الراجحة والكفة المرجوحة أو هذه هي الجندية الغالبة أبدا وهي في إقدام أو في إحجام.

ولقد كادت هذه الطبيعة الجندية أن تحيط بكل ما رزق من طبيعة حية. فمن أقواله: إن الجهاد شغلني عن تعلم القرآن، أو قراءة كثير من القرآن ...

Shafi da ba'a sani ba