102

شمطاء جزت شعرها وتنكرت

مكروهة للشم والتقبيل

وأيا كانت متعته بالمرأة الحسناء أو بالمقام الوثير، فهي متعة القوي اليقظان وليست بمتعة الضعيف المستنيم.

هي متعة المسافر الذي يستريح إلى الواحة؛ لينفض عنه الجهد ويتزود منها لجهد جديد، وليست متعة المتهافت الذي يتوق إلى مهاد الراحة لينغمس فيها ويستكين إليها ولا يفيق من سكرتها.

بل هو يحب المتعة؛ لأنه يحب الجهاد، فإذا طالت عافها وبرم بها واحتواها، وأنف أن يقنع بها ويستمرئها ... فلم يطق سنة واحدة بالحيرة بين حروب فارس وحروب الروم، وسماها «سنة نساء»؛ لأنها كانت راحة من العناء، مع أنها كانت راحة المتربص المتوفز، وكانت راحة يتخللها وثبات وضربات من هنا وهناك ...

وهكذا كان يأخذ من المتعة بأيسر المقادير، ليأخذ من الشدة والبأس بأوفر المقادير ...

لأن طبيعته القوية هيأته للشدة وبأس قبل كل شيء، وما بقي من الطبيعة للرياضة فقد أتمته الرياضة بعزيمة الجبابرة التي لا تلين. باستمراء ما لا مراءة فيه من طعام وشراب، ويأكل الضب وشرب السم ومطاولة الركوب أياما بعد أيام ...

لا جرم يكون أكبر الأسى لتلك النفس في ساعة الموت أنها تموت على الفراش أو على حد قوله كما يموت البعير: «لقد طلبت القتل في مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي ... ولقيت الزحوف وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء ...»

وأقرب شيء أن يلاحظ في سيرة خالد - من نشأته إلى وفاته - أن هذا الولع كله بالحرب لم يكن ولعا بالشر والسوء، ولا ولعا بالضغينة والبغضاء. فكانت عداوته كلها عداوات جندي مقاتل، ولم تكن عداوات مضطغن آثم ... ولم يعرف قط عنه أنه حمل الضغينة لأحد من الناس، ولو أنه اضطغن على أحد لكان أحق الناس أن يضطغن عليه عمر بن الخطاب؛ لأنه عزله وشطر ماله وأبقاه في العزلة سنوات، ولكنه لم يعمل عملا واحدا ولم يقل كلمة واحدة تدل على ضغن عليه. وقد سامحه والتمس له المعذرة وعلم أنه قد أراد وجه الله بما حاسبه عليه، وكان أشد ما قاله فيه: «الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحب إلي من عمر، والحمد لله الذي ولى عمر وكان أبغض إلي من أبي بكر ثم ألزمني حبه»، وربما ذكره وهو غاضب فسماه «الأعيسر بن أم شملة» فكانت هذه الكلمة أدل على التحبب منها على الكراهة، ولاحت كأنها كلمة المغلوب في لعبة لا في غرض عظيم يقعد ويقيم ...

وقد يمكن كثيرا أن تتسع هوة البعد بين الولع بالحرب والولع بالشر والضغينة، وإنها لأولى أن تتسع بينهما حيث تكون الحرب ميدان التضحية والفداء في سبيل الغيرة القومية أو في سبيل الإيمان والضمير، وحيث يكون الرجل قد تربى على مراسها وطبع في نفسه على مزاج يألف القتال ولا ينفر منه. وليس في المجتمعات الإنسانية التي تصبح الحرب فيها ضرورة من ضرورات الحياة والشرف باعث إلى النفرة من القتال، ولن تزال القدرة على الحرب شرفا وشجاعة إلى آخر الزمان، ما دام في بني الإنسان من يحمل السلاح للعدوان والبغي والتلصص والمراء، فيتقيه بنو الإنسان بمن يحمل السلاح للحق والعقيدة والإنصاف.

Shafi da ba'a sani ba