روى المسعودي أنه: «في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال، فكان لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار وخلف إبلا وخيلا كثيرة، وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف ألف فرس وألف أمة، وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم، ومن ناحية السراة أكثر من ذلك، وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس، وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا، وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفئوس غير ما خلف من الأموال والضياع، وبنى الزبير داره بالبصرة وبنى أيضا بمصر والكوفة والإسكندرية ... وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة وشيد داره بالمدينة، وبناها بالجص والآجر والساج، وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق ورفع سمكها، وأوسع فضاءها وجعل على أعلاها شرفات، وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصصة الظاهر والباطن، وخلف يعلى بن منبه خمسين ألف دينار وعقارا وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم». •••
هؤلاء أيضا أصبحوا في حصة علي من الدولة الإسلامية عنصرا من أقوى عناصر القلق والتبرم، والنفور من دوام الأمر للحكومة الجديدة، خلافا لأمثالهم في معسكر معاوية.
فالذي يغلب على أصحاب الثروات في كل مجتمع أنهم أنصار الحالة القائمة، وأعداء الثورة والاضطراب السياسي أو الاجتماعي على التخصيص، ولكن هؤلاء الأغنياء خالفوا المعهود في مجتمع علي، فأصبحوا قادة السخط والشكوى وأعوان الثورة والتغيير ولو في سرائر القلوب، كلما حيل بينهم وبين الظهور في الثورة بفعل محسوس؛ لأنهم عرفوا عليا من قبل ومن بعد فعلموا أنه لن يقرهم على ما هم فيه، ولن يلبث أن يحاسبهم على ما جمعوه من المال أو يأخذ عليهم طريق المزيد.
عرفوا مذهبه في حساب الولاية ومذهبه في حساب الخلافة، فلما كان واليا لليمن أبى علي على بعض الصحابة أن يركبوا إبل الصدقة، وقال لهم: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين، ثم لام العامل الذي أذن لهم أن يركبوها في غيبته وهو منصرف إلى الحج، وشاعت هذه القصة؛ لأن أناسا شكوه إلى رسول الله - عليه السلام - فأنكر شكواهم منه، وقال: «لقد علمت أنه جيش في سبيل الله.» •••
ولما قام عثمان بالخلافة طال عتب علي عليه؛ لأنه أباح للعمال والولاة ما ليس بمباح في رأيه، ولقي بالعتاب كل صحابي من إخوانه جمع مالا واستهوته فتنة البذخ والثراء.
وليس مذهبه واليا ولا مذهبه خليفة بمريح أولئك الأغنياء، الذين ذاقوا حلاوة الغنى وكرهوا أن يحرموه أو يحاسبوا عليه.
ولم يكن في وسع علي أن يغض عنهم نظره ولو شاء ذلك، وهو لا يشاؤه ولا يحله لنفسه وقد أنكره على غيره؛ لأنه إذا غض نظره لم يستطع أن يغض الأنظار المفتوحة التي ثارت بعثمان، وبايعت عليا بعده ليصنع غير ما صنعه عثمان وغير ما أثارهم عليه.
فلا دعاة الدنيا راضون مطيعون، ولا دعاة الدين راضون مطيعون، ولا الفقراء والجهلاء راضون مطيعون، وما منهم إلا من هو قلق متوفز لا يسكن به سكن ولا يدوم به قرار.
وكل أولئك كانوا في حصة علي من الدولة الإسلامية، ولم يكن لمعاوية في حصته شاجرة فتنة من هذه الشواجر، بل كان له في موضع كل واحدة منها دعامة تمكين وتأييد.
وإن هذه الشواجر على كثرتها وقوتها لفي غنى عن علة أخرى من علل الفساد والشقاق تضاف إليها.
Shafi da ba'a sani ba