الدُّنْيَا فَإِذا وجدت لَهُ صَدَقَة طيبَة تصدق بهَا لم يرد بهَا إِلَّا وَجه الله تَعَالَى وَلم يطْلب بهَا جَزَاء من مَخْلُوق وَلَا رِيَاء وَلَا سمعة وَلَا محمدة وَلَا شكر فَإِن تِلْكَ الصَّدَقَة تُوضَع فِي الْمِيزَان بِأَمْر الْملك الخلاق فترجح على جَمِيع سيئاته وَلَو كَانَت سيئاته مثل وزن الْجبَال وأنشدوا
(يَا جَامع المَال يَرْجُو أَن يَدُوم لَهُ ... كل مَا اسْتَطَعْت وَقدم للموازين)
(وَلَا تكن كَالَّذي قد قَالَ إِذْ حضرت ... وَفَاته ثلث مَالِي للْمَسَاكِين)
وَاعْمَلُوا عباد الله أَن الْمِيزَان إِذا نصب للْعَبد فَهُوَ من أعظم الْأَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة لِأَن العَبْد إِذا نظر إِلَى الْمِيزَان انخلع فُؤَاده وَكَثُرت خطوبه وعظمت كروبه فَلَا تهدأ روعة العَبْد حَتَّى يرى أيثقل مِيزَانه أم يخف فَإِن ثقل مِيزَانه فقد سعد سَعَادَة لَا يشقى بعْدهَا أبدا وَإِن خف مِيزَانه فقد خسر خسرانا مُبينًا ولقى من الْعَذَاب أمرا عَظِيما
٨٢ - شَفَاعَة الرَّسُول
ذكر فِي الْأَخْبَار أَن أمة مُحَمَّد ﷺ إِذا قدمُوا إِلَى الْمِيزَان عظمت كروبهم حِين أظهرت لَهُم قبائحهم وعيوبهم ووزنت أوزارهم وذنوبهم وَضَاقَتْ حيلهم وتغيرت أَحْوَالهم فَعِنْدَ ذَلِك يَأْتِيهم النَّبِي الشَّفِيع مُحَمَّد ﷺ فَإِذا نظر إِلَى أمته قد تحيروا عِنْد الْمِيزَان دَعَا الله أَن يثقل موازينهم فيأمره الله تَعَالَى أَن ينظر إِلَى مَوَازِين أمته فَينْظر ﷺ إِلَيْهَا فترجح موازينهم من نظره وَنور وَجهه ﷺ
ذكر أَن الْمِيزَان بيد جِبْرِيل ﵇ وَله كفتان أَحدهمَا بالمشرق وَالْأُخْرَى بالمغرب وَأَن الذّرة والخردلة والحبة من أَعمال الْعباد من الْخَيْر وَالشَّر لتوضع فِي الكفة فتميل بهَا بقدرة الله تَعَالَى فَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك
فَلَا يحقرن أحدكُم حَسَنَة يعملها وَإِن صغرت فِي عينه فَرُبمَا ثقلت الْمِيزَان وَلَا يحقرن أحدكُم سَيِّئَة يعملها وَإِن صغرت فَرُبمَا خففت الْمِيزَان
لِأَن الذَّنب الصَّغِير فِي عين محتقره يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ فِي الْمِيزَان أعظم من الْجبَال الرواسِي
٨٣ - مَا يثقل الْمِيزَان
قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة فَلَا تظلم نفس شَيْئا﴾
1 / 52