(قال الفقيه) أبو الليث رضي الله تعالى عنه: تكلم الناس في مسألة اختلف العلماء فيها، قال بعضهم: كلاهما صواب وهو قول المعتزلة، وقال بعضهم: أحدهما صواب والآخر خطأ إلا إنه رفع عنه الإثم وهذا القول أصح. فأما حجة الطائفة الأولى فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقطع نخيل بني النضير فكان أبو ليلى المازني يقطع النخل العجوة وكان عبد الله بن سلام يقطع اللوز، فقيل لأبي ليلى لم تقطع العجوة؟ قال: لأن فيه كبتا للعدو فقيل لعبد الله بن سلام لم تقطع اللوز؟ فقال لأني أعلم أن النخيل تصير للنبي صلى الله عليه وسلم فأريد أن تبقى له العجوة، فنزل قوله تعالى {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} فقد رضي الله تعالى بما فعل الفريقان جميعا. وأما حجة الطائفة الأخرى فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه لقال لعمرو بن العاص: إقض بين هذين، فقال أقضي وأنت حاضر؟ فقال: نعم، قال: على ماذا أقضي؟ قال: على أنك إن أصبت فلك عشر حسنات، وإن أخطأت فلك أجر واحد)). فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المجتهد في اجتهاده قد يخطئ وقد يصيب، ولأن الله تعالى قال: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث} إلى قوله تعالى {ففهمناها سليمان} فمدح الله تعالى سليمان بأنه أدرك بفهمه ما لم يدرك به داود عليهما السلام، ولو كان كلا الحكمين صوابا في اجتهاد الرائي لكان لا يستوجب المدح بفهمه، ولو كان أحد القولين خطأ فقد رفع الإثم عنه لأنه كان مأذونا له الاجتهاد. وروى موسى الجهني عن طلحة بن مطرف أنه كان إذا ذكر عنده الاختلاف فقال: لا تقولوا الاختلاف ولكن قولوا السعة. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما أحب أن يكون لي باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمر النعم: يعني أن اختلافهم أحب إلي من حمر النعم لأنهم لو لم يختلفوا لكان لا يجوز لأحد بعدهم الاختلاف وإذا لم يجز الاختلاف لضاق الأمر على الناس. وروي عن القاسم بن محمد قال: اختلاف الصحابة كان رحمة للمسلمين.
الباب السادس: في رواية الحديث بالمعنى
(قال الفقيه) رحمه الله: اختلف الناس في رواية الحديث بالمعنى. قال بعضهم: لا يجوز إلا بلفظه، وقال بعضهم: يجوز وهو الأصح. أما حجة الطائفة الأولى فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رحم الله امرأ سمع مني حديثا فبلغه كما سمع)) وروى البراء بن عازب ((أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا دعاء وكان في آخر دعائه ((آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت)) فقال الرجل وبرسولك الذي أرسلت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قل ونبيك الذي أرسلت فنهاه عن تغيير اللفظ)) وأما حجة من قال إنه يجوز بالمعنى فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا فليبلغ الشاهد الغائب)) فقد أمرنا بالتبليغ عاما. وروي عن واثلة بن الأسقع وكان من الصحابة قال: إذا حدثناكم حديثا بالمعنى فحسبكم. وقال ابن عوف: كان إبراهيم النخعي والشعبي والحسن البصري يؤدون الحديث بالمعنى. وقال وكيع: لو لم يكن بالمعنى واسعا لهلك الناس وقال سفيان الثوري: إني لو قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني، ولأن الله تعالى قال: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} بلفظ العربية، ولو كان قومهم لا يفقهون بلفظ العربية فلا بد له من البيان والتفسير، فثبت أن العبرة للمعنى لا للفظ.
Shafi 308