تسمعوا السماع الذي عنه ترجى الرحمة، وبيانه في قوله تعالى: "إنما المؤمنون ".
ووجه آخر، وهو أن قصص بني إسرائيل عقّب بوصاة المؤمنين خصوصا
بالتقوى، وعلى حسب ما يكون الغالب فيما يذكر من أمر بنى إسرائيل، ففي البقرة أتبع قصصهم بقوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا"
ولما كان قصصهم مفتتحا بذكر تفضيلهم (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧)
افتتح خطاب هذه الأمةِ بما يشعر بتفضيلهم، وتأمل ما بين "يا بني إسرائيل " و"يا أيها الذين آمنوا"، وأمَر أولئك بالإيمان "وآمنوا بما أنزلت "
وًأمر هؤلاء بتعبد احتياطي فقيل: "وقولوا انظرنا واسمعوا".
ثم أعقبت البقرة بآل عمران: وافتتحت ببيان المحكم والمتشابه الذى من
جهته أتي على بني إسرائيل في كثير من مرتكباتهم.
ولما ضمنت سورة آل عمران من ذكرهم ما ورد فيما أعقب بقوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠)
ثم أعقبت السورة بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
وعدل عن الخطاب باسم الإيمان للمناسبة، وذلك أن
سورة آل عمران خصت من مرتكبات بني إسرائيل بجرائم كقولهم في الكفار "هؤلاء اهدى من الذين آمنوا سبيلا"،
فهذا بهت، ومنها قولهم: "إن الله فقير ونحن أغنياء" إلى ما تخلل هاتين من الآيات المنبئة عن
1 / 219