وأما منذ فكقول ابن قزمان في بعض مطالعه:
حق هو ليس يمزح ... منذ فقدت الحبيب ليس نفرح
ومثله قول الأستاذ أبي عبد الله بن حسون في بعض مطالع أزجاله:
لي تقدير شهر ... منذ عشقت الفلانية
لم نطيق سهر ... ولا لقيت ليلة مهنية
وأما: مذ، واذ، وثم، وكاف التشبيه، فاشهر من قفا نبك في القوم.
ومن الممنوعات عندهم استعمال الحركات الثقيلة التي عابها ابن قزمان على ابن نمارة، كالمدّ الفاحش والهمز الذي تقدم ذكره، وقد استعمل هو وأهل عصره ما هو أفحش من ذلك وأثقل، وهو القائل في بيت من بعض أزجاله:
كل ثناء جميل فيه مجموع ... وكل شاعر بمدحو مولوع
عاليش ينكرون الجميل المصنوع ... وآش يفيد الإنكار
إما مكافأة وإما إقرار
فهذه المدة في لفظ ثناء أفحش من غيرها لاقترانها بالهمز والتنوين، وإثبات السكون في ينكرون أفحش.
ومن الممنوعات عندهم التشديد في غير التصغير، فإنهم مجمعون على لفظه كقولهم: فميم، وخديد، وغدير، وأما في غير التصغير فممنوع، والتشديد الذي استثقلوه في غير المصغر فكقول علي بن نمارة في مطلع زجله الذي سارت به الركبان:
كن كما شيت مهاود أو تياه ... أو بعيد أو قريب
من يحبك ويقدر أن يعصيك ... ليس يسمى حبيب
فقد شدد الميم من لفظة يسمى وكان يمكنه تخفيفها مع حسن السبك والتصرف، ويقول: ذاك ما يسمى حبيب، فيفر من عقادة التشديد إلى حلاوة الرشاقة والسهولة، فالقوم نهوا عن ذلك واستعملوه وكانوا كما قال السمؤل:
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول
وأما التشديد الذي لا يحمل من ثقله فكقول ابن قزمان في بعض مطالعه المسلسلة:
كيف يرى قلبي سرور ... وحبيب قلبي منصور هجرني
سكري المراشف
غصني المعاطف
لولا ما هو مخالف
حين يرى ظلي ينفور ... أنا مت بالله فانظور في كفني
ومن الممنوعات المستثقلة: التنوين، وقد نهوا عنه واستعملوه، فمن ذلك قول ابن قزمان في خرجة بيت من بعض أزجاله:
ليس لذي البنيه ... في الدنيا نظير
الملاح رعيه ... وهي كالأمير
آش قمر هيّ ... أبهى وأملح بكثير
في جمال وطلعه ... وقدٍ وخدّ
فقد نون لفظة قدّ وجاءت في غاية الثقل، وكاف التشبيه في لفظة الأمير أثقل منها.
ومن الممنوعات عندهم إثبات نون الجمع، وقد عابوه على البغاددة في أزجالهم، وجعلوه من أكبر عيوبهم مع علمهم أن لغتهم تقتضي ذلك ولكن أثبتها ابن قزمان في عدة مواضع، منها قوله في خرجة بيت مطلعه:
يامن عليه للسفر علامه ... الحمد لله على السلامة
ويقول في خرجة بيت معتذرًا من تأنيث المدام:
جايز هو لا تغمزون لما ... قلت مكان المدام مدامه
فقد أثبت النون في تغمزون وفتحها مع أن اللفظة مجزومة بلا الناهية.
ومن الممنوعات عندهم تضمين آية من كتاب الله ﷿، فقد نقلوا عن ابن قزمان أنه قال: القرآن الكريم لا يكون إلا معربًا والزجل لا ينبغي أن يدخله الإعراب، فمن ضمن آية من كتاب الله تعالى فقد زنم، وقد وجد له زجل في تهنئة بمولود مطلعه:
محسن اخلاقو تجد ... من يهنا بولد
وقال في بعض أبياته:
اخبئوه خلف الستور
وأكثروا من النذور
وأطلقوا حولو البخور
واكتبوا بالزنجفور
من حوالين المهد ... قل هو الله أحد
وقال الأستاذ أبو الحسن بن عمير في مطلع زجل:
سافر حبيبي ونا بعدو مقيم ... أعوذ بالله السميع العليم
ومن الممنوعات عندهم وعندنا استعمال الظاء مع الضاد في قافية واحدة، وقد وجدنا لابن قزمان، وهو إمام الزجل، في بيت من أزجاله:
كذا غرض ذا العشق فيما مضى
إن صدّ محبوبك فأت في لظى
وإن نظر مرة بعين الرضا
فقد نظر ألف بعين الغضب
فلفظة لظى من ذوات الظاء لا يجوز استعمالها مع الضاد عند جميع أهل الأدب.
1 / 7