الحراثون مفاخرة أرباب الضياع، ونساجو الديباج التطاول على لابسيه. ولكان مركب التاج بالدر والياقوت يشارك الملك الأعظم في عزه وسلطانه وفي أقصى من مكانته من شانه. حتى كون صائغ الإكليل أحق به ممن أمره ونهاه واستأجره وأعطاه. والدليل على صدقنا، أن أهل مصر لو كانوا إنما يتخذون الدبيقي ويتكلفون صنعة الملحم والتنيسي لهم ولمن هو منهم وإليهم، لهلك النساجون ولمات البزازون وسائر من بها من أرباب القراطيس وصناع الشمع والخيش والكرابيس.
ذلك هو القول في المجهزات جميعا من خراسان وسائر بلاد الله في جميع العمران.
ثم لا نجد بغداد عند ذلك إلا كالجوهر القائم بنفسه، والبلدان دونها كالأعراض التي لا قوام لها إلا بما هو أثبت بها وأغنى عنها. فالدنيا العراق والناس أهلها. والطاعنون على بغداد هم الطاعنون على اختيار الخلفاء. والطاعنون على الخلفاء، الطاعنون على الأنبياء، والطاعنون على الأنبياء هم الطاعنون على رب الأنبياء.
وحدثني القاضي إسماعيل بن إسحاق، وكفى به محدثا. ومحمد بن يزيد وكفى به مخبرا، قال: لقد كنا نلتمس بالبصرة من جيد التمور وأنواع الأرطاب فنجد ببغداد ما لم ير مثله بأنهار البصرة جميعا.
وحدثني من لا ارتياب للعقلاء في عقله ولا اشتباه عند الحكماء في فضله بعلومه وآدابه وأنسابه وإحسانه عبيد الله بن عبد الله بن طاهر متمثلا في أثر كلام مر في غرائب بغداد فقال: تزعم العامة أن رجلا من مجهزي القطن كان بالشام ثم وقع إلى كورة مرو من بلاد خراسان وهو لا يظن أن القطن يكون بغير الشام فاحتمل من كثرته بمرو بما فاض عن عقله واتهم معه فهمه. ثم سأل عن البلدان التي يحتمل تجهيز ذلك إليها فقيل له بغداد. فقال: وكم في الأرض من [51 أ] بغداد. فصدق عن القصة فقال: أظن أن أهل بغداد يأكلون القطن أو تبنى لهم به المساكن والجدران. فأقبل يريد العراق لذلك.
Shafi 324