Budhiyya Ta Gabatarwa Mai Sauƙi
البوذية: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
حتى وقتنا الحاضر قدمت البوذية للغرب في صور شتى، وكان الزن أول نوع من أنواع البوذية يلقى رواجا لدى قطاع عريض من الجماهير، وقد أصبح الزن رائجا في أمريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. واحتك كثير من الأمريكيين بالثقافة اليابانية أثناء وجودهم في اليابان خلال أداء الخدمة العسكرية. ولاقى الزن استحسانا قويا في أمريكا؛ نظرا لأن تأكيده على العفوية والبساطة والتجربة الشخصية المباشرة انسجم مع التوجهات الثقافية التي سادت أمريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. كما راقت أيضا روح مناهضة القيم المجتمعية ومناهضة السلطوية اللتين تميزان بوذية الزن لجيل «بيت» في خمسينيات القرن العشرين، وكذلك للحركة «الهيبية» في ستينيات القرن العشرين. وفي أغلب الأحيان كان هؤلاء يتعاطون عقار إل سي دي (ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك) وغيره من عقاقير الهلوسة في سياق سعي روحاني الدافع يتطلع إلى تجربة «توسيع أفق العقل» التي اعتقدوا أنها تمثل التنوير.
أما المذاهب اليابانية الأخرى، خلافا للزن، فتحظى أيضا بتمثيل جيد في الغرب. وكان أقدم هذه المذاهب وأكثرها رواجا مذهب جودو شنشو (مذهب الأرض النقية الحقيقية) الذي تأسس في هونولولو عام 1899. وكثير من المهاجرين اليابانيين الأوائل الذين قدموا إلى الولايات المتحدة كانوا أتباعا لهذا المذهب، وعلى مدار عقود عديدة مثل أعضاؤها الغالبية العظمى من البوذيين الأمريكيين ذوي الأصول اليابانية. وفي وقت لاحق أصبحت جمعية سوكا جاكاي الدولية واحدة من أسرع الجماعات البوذية نموا في أمريكا وأوروبا. وفي الأصل كانت سوكا جاكاي («منظمة خلق القيم») الجناح العلماني لمذهب نيتشيرين شوشو، لكنها انفصلت عنها في أوائل تسعينيات القرن العشرين. وتسعى سوكا جاكاي الدولية سعيا حثيثا إلى إقناع الناس باعتناق مذهبها، وحققت معدل نمو مشابها لما حققته المسيحية الإنجيلية التي تشبهها إلى حد ما في معتقد «البشارة» الإيجابي والمتفائل. إن تعاليم المذهب التي تقول إن الأفراد يستطيعون تحقيق كل أهدافهم من خلال الترديد المتكرر لتعويذة «نامو ميوهو رينجي كيو»، وتعني «المجد لسوترا اللوتس التابعة للدارما الحقيقية»، بالإضافة إلى التوجه الذهني الإيجابي للمذهب؛ قد أثبتا رواجهما لدى الأشخاص الذين ينجذبون لنوع من البوذية أكثر تفاؤلا و«ميلا للدنيوية». ومطربة الروك تينا تيرنر هي عضوة في هذه الطائفة.
وتقدم البوذية التبتية تناقضا صارخا مع أناقة وبساطة بوذية الزن. تولد الطقوس والرموز والمراسم في بوذية التبت إحساسا قويا لما أطلق عليه رودولف أوتو «الروحانية» أو إدراكا لفكرة أن الخوارق غامضة وعجيبة. وتستحضر الطقوس التبتية حالة الروحانية من خلال استخدام الإنشاد و«الماندالات» و«المانترات» والرموز الصوفية وأدوات الطقوس والشموع والبخور والأصوات المؤثرة مثل ارتطام الصنج (آلة موسيقية). وتتجلى التعاليم تدريجيا من خلال سلسلة الانتساب الهرمي. ولطالما اعتبر التبت في المخيلة الغربية مركز الصوفية الشرقية، كما أن فرصة مقابلة معلمين أصليين من «أرض الثلوج» والمشاركة في طقوس ثقافة قديمة تعد أمرا جذابا للأشخاص الذين يجدون أن الحضارة الغربية تتجرد من المحتوى الروحاني على نحو متزايد.
أدى غزو التبت في عام 1950 إلى شتات سكان التبت وفيهم الكثير من اللامات رفيعي المستوى الذين أعيد توطينهم فيما بعد على يد الجماعات البوذية في الغرب الذي تحظى فيه كل المذاهب البوذية الكبرى بالتمثيل في الوقت الحاضر. وبدأ المعلمون التبتيون أصحاب الكاريزما أمثال تشوجيام ترونجبا (1939-1987) حوارا مع علم النفس الغربي فيما يتعلق بالبعد الروحاني للنفس البشرية. إن إمكانية التعاون بين البوذية وعلم النفس الإنساني هائلة، وقد تكون هذه إحدى القنوات الكبرى التي من خلالها ستصبح البوذية عرفا سائدا في الثقافة الغربية. وقد أسس ترونجبا مراكز مثل ذلك المركز الموجود في بولدر في كولورادو، وتولى ذلك المركز مسئولية معهد آخر تابع له موجود في سامي لينج في اسكتلندا أسسه أناندا بودي.
وقد جعل الإعلام الغربي أيضا التبت متصدرا للعناوين الرئيسية من خلال تغطيته للموضوعات السياسية وتلك المتعلقة بحقوق الإنسان، وشارك كثير من الغربيين في مسيرات ومظاهرات مناهضة للاحتلال الصيني. علاوة على ذلك، فإن الدعم المقدم من المشاهير أمثال ريتشارد جير وهاريسون فورد، فضلا عن الظهور المتكرر لقداسة الدالاي لاما، والتحقيقات التي قامت بها الجهات الحكومية والهيئات الحقوقية الدولية؛ كلها أدت إلى زيادة شعبية التبت في الغرب.
وتحظى أنواع البوذية الصينية على وجه الخصوص بتمثيل جيد في الولايات المتحدة، ويرجع هذا بشكل كبير إلى قدوم المهاجرين كما أشرنا في السابق؛ ففي عام 1962، جاء المعلم هسوان هوا من هونج كونج، وبعد ذلك بفترة قصيرة أسس الجمعية البوذية الأمريكية الصينية في سان فرانسيسكو في عام 1968. ولم يمر وقت طويل حتى أصبحت الغالبية العظمى من الأعضاء مكونة من الأمريكيين القوقازيين، وانتقلت المنظمة إلى مقر أكبر في «مدينة العشرة آلاف بوذا» في شمال كاليفورنيا؛ حيث أسست مدرسة وجامعة بالإضافة إلى معاهد للتدريب على الرهبنة. يحظى معبد هسي لاي الموجود في لوس أنجلوس، التابع لإحدى المنظمات البوذية التي تتخذ من تايوان مقرا لها، بشرف كونه أكبر معبد بوذي في نصف الكرة الأرضية الغربي.
تأسس أول معهد للتيرافادا في الولايات المتحدة في واشنطن العاصمة في عام 1966، ويوجد الآن ما يزيد على عشرين ديرا يسكنها رهبان من سريلانكا وبورما وتايلاند وكمبوديا وأمريكا. وعلى الرغم من وجود بوذية التيرافادا في إنجلترا لما يقرب من مائة عام حتى الآن، فإن أسلوبها المتحفظ وتفضيلها للسلوكيات البسيطة بديلا عن القيادة الملهمة جعل شعبيتها منخفضة. كانت التيرافادا أول أشكال البوذية ظهورا في الغرب، ونظرا لأن الأيام دول بطبيعة الحال، فإن التيرافادا تشهد حاليا نوعا من النهضة؛ فلقد زاد الاهتمام باللغة البالية؛ لغة النصوص المقدسة للتيرافادا، في السنوات الأخيرة، وأدى توافر النسخ الإلكترونية من قانون بالي إلى تحفيز روح البحث لدى الناس. وانتشرت أيضا مراكز جديدة وحيوية للتيرافادا مثل مركز أمارافاتي البوذي الموجود بالقرب من هيميل هيمبستيد في إنجلترا. وقد تأسس هذا المركز عام 1985 تحت قيادة الراهب الأمريكي أجان سوميدو تلميذ الراهب التايلاندي أجان تشاه.
رواج البوذية
لماذا أصبحت البوذية بهذا القدر من الرواج في الغرب؟ الأسباب معقدة ومرتبطة بالتاريخ الثقافي بالغرب قدر ارتباطها بمزايا البوذية. وقد راجت «قراءات» غربية مختلفة للبوذية من وقت لآخر ، لكن هذا يخبرنا في أغلب الأحيان عن الصيحات المتغيرة في الغرب أكثر مما يخبرنا عن البوذية نفسها. ومن أكثر التفسيرات الغربية للبوذية رواجا تقديمها باعتبارها فلسفة عقلانية، كما أن التطورات في الغرب خلقت مناخا يصب في صالح البوذية عند رؤيتها من هذا المنظور. علاوة على ذلك، فإن المؤثرات الثقافية السائدة في الغرب منذ عصر التنوير في القرن الثامن عشر تتمثل في العلم والليبرالية العلمانية. وتبدو البوذية «بوصفها» فلسفة عقلانية متوافقة مع كل من العلم والليبرالية العلمانية، على الأقل بدرجة أعلى من الدين الغربي التقليدي؛ فالاكتشافات العلمية ونظريات مثل نظرية التطور مثلتا تحديا أمام كثير من التعاليم المسيحية التقليدية. كما أن المعركة البائسة الطويلة الأمد التي يخوضها الدين السائد في الغرب في مواجهة «الحقائق» التي انكشفت؛ جعلته يبدو متصلب الرأي وغير عقلاني ورجعي النظرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب مفهوم الإله المجسد في صورة بشرية في البوذية يعد سمة أخرى تجعل البوذية أكثر قبولا لدى العقل الحديث.
على النقيض من ذلك، يبدو أن بعض المفاهيم البوذية القليلة تتعارض تعارضا مباشرا مع العلم، وقد قدم المناصرون لفكرة عقلانية البوذية تفسيرات رمزية لهذه المفاهيم المتعارضة مع العلم. ويعد المنظور البوذي للكون أقل محدودية من نظرة المسيحية التقليدية له، بل يبدو أنه يتنبأ بمكتشفات علم الكونيات الحديث بدلا من التناقض معها. بالإضافة إلى ذلك فإن الاكتشافات الحديثة في مجال فيزياء الكم تشير إلى أن العلم يسير ببطء في اتجاه رؤية للواقع لا تختلف عن تلك الموصوفة في الفلسفة البوذية. وقد كشفت كتب مثل كتاب فريتجوف كابرا «طاو الفيزياء» (1976) أوجه تشابه مثيرة بين العوالم المتصورة في الفيزياء النظرية والفكر الشرقي.
Shafi da ba'a sani ba