وكتب فرنكلين إلى السيدة هلڤيتس
Helvétius
قرينة الفيلسوف المعروف رسالة بلسان قططها حين علم أنها تنوي أن تتخلص منها بمشورة بعض أصدقائها من القسس؛ لأنها تغير على أقفاص الطير التي تربيها في قصرها، فأرسل إليها هذه العريضة بلسان القطط تتوسل إليها أن تبقي عليها. فقال:
حضرة السيدة النابهة العلية الشأن والمقام
بلغتنا الساعة نبذة من خبر مرعب نغص علينا سعادتنا التي ننعم بها في حظائر الطير والغاب لديك. بلغنا أنك لما سمعته من بعض الوشايات من أعدائنا (الأب موريليه ، والأب روس) قد حكمت علينا بالنفي، وأننا سنعتقل بوسيلة شيطانية، ونحبس في باطية، ويقذف بنا إلى أعماق النهر، حيث نترك فيه لرحمة الأمواج، وإننا لنسمع في هذه اللحظة التي نكتب فيها هذه العريضة المتواضعة ضربات المطارق في أيدي الحوذية الذين عهد إليهم بصنع الآلة الجهنمية التي فيها هلاكنا.
ولكن - سيدتنا علية الشأن - أتسمحين أن يقضى علينا هكذا دون أن يستمع للدفاع من جانبنا؟ وهل تريننا وحدنا من الذين تطعمينهم وتغذينهم نحرم ما في صدرك الحنون من العطف والشفقة؟ إننا نرى يدك الكريمة كل يوم تطعم مئات الفراخ، والكنار، والحمائم التي لا عداد لها، كما تطعم عصافير الجيرة أجمعين، وأسراب الشحارير في غاب بولون، بل تسخو بالطعام والشراب حتى للكلاب في هذه الرحاب، فهل نحن وحدنا نحرم هذه الخيرات من يدك ولا يكفينا هذا، بل نصبح دون غيرنا هدفا للقسوة التي لا مكان لها بين مآثرك وسجاياك؟ كلا، إن سجاياك التي انطوت عليها فطرتك البارة ستعيد إلى قلبك من عواطف الحنان ما هو أشبه بهذا الحنان.
وا أسفاه! ما هي جرائمنا التي اجترحناها؟ إننا نتهم - وما أكثر ما تفعله الوشايات والتهم - أننا نأكل الفراخ الصغار، ونغير من حين إلى حين على الحمائم، ونرقب طيور الكنار حتى تدنو منا فنقبضها وندع الفيران تعيث في دارك آمنة مطمئنة!
لكن هل يكفي مجرد الاتهام للإدانة بالإجرام؟ إننا لنستطيع أن ندحض هذه التهم جميعا في غير عناء، وينبغي أولا ألا ننسى أنها لا تقوم على بينة أو برهان.
فإذا سلمنا أن هناك بقية من أجل الحمائم وريشها تقدم في معرض البينة على إدانتنا، فهل تصلح هذه البينة للإدانة أمام محكمة من المحاكم على وجه الأرض كلها؟
إن الجرائم يخلقها العوز، والحاجة، ونحن بحمد الله في رحابك ثماني عشرة قطة ننعم بالخير الجزيل، ولا نشعر بالعوز ولا بالحاجة؛ فهل يعقل مع هذا أن نخدش اليد التي تطعمنا؟ ألم تبصري بعينيك فراخك تدنو منا، وتأكل معنا في صحافنا، ولا تعترضها حركة مسيئة من جانبنا؟ وإذا قيل لك أننا لا نلتهم الفراخ ونحن نحس رقابة الأعين علينا، وإننا تحت جنح الظلام نجترح ما نجترح من جرائمنا، فإنما هم أعداؤنا الذين يستترون بجنح الظلام لافتراء الأقاويل علينا، ويحق لنا أن نرميهم بذلك؛ لأنهم ينسبون إلينا الجرائم الليليلة التي يدحضها مسلكنا في وضح النهار.
Shafi da ba'a sani ba