وفرنكلين على وفاق هذا الشرط بغير شذوذ ولا استثناء، فلا دخان ولا شرر ولا قعقعة من الوقود المتأجج بين الضرام.
ولكن النار هناك في الموقد المصون.
لا صاعقة تنقض على الحطام بين البروق والرعود، ولكن العمود هناك يتلقى الصاعقة في أمان.
والتفرقة بين النارين حتم في مقام الكلام على عبقرية فرنكلين. أليس هو صاحب الموقد الذي نحس ناره ولا نحس دخانه وشرره؟ أليس هو صاحب العمود الذي يستنزل الصاعقة ويروضها بعد الجماح رياضة الفارس الخبير؟
إن العبقرية التي يعجب بها لورنس كالنار التي تلتهب في المدخنة، ثم تطير الحرارة منها بين الجدران وبين الهواء والهباء.
ولم تذهب هذه النار بين يدي فرنكلين؛ لأنه صاحب الموقد الذي اخترعه ليحفظ النار ويبثها على السواء بين الجدران، وليرسل منها إلى الفضاء ما تستغني عنه الأبدان.
والصاعقة لم تذهب كذلك بين يديه، ولكنه ساسها وقادها وأسلس زمامها، فهي صاعقة في طريقها بين السماء والأرض، ولكنها من قبيل العبقرية التي خلقت لفرنكلين!
ويوشك أن يكون التشبيه هنا واقعة محتومة لا مجاز فيها، ويوشك أن يكون الموقد وعمود الصاعقة من اختراع هذا العبقري؛ لأنهما أشبه النيران بعبقريته الطيعة الرفيقة: عبقرية تعجب النفوس والعقول، ولكنها لا تروع ولا تهول.
لهذه العبقرية محلها بين العبقريات في كل زمن، ولعلها أولى بالمحل الأول من هذا الزمن خاصة؛ لأنه زمن لا تعوزه عبقريات اللهيب والدخان، وقد تعوزه المئات من عبقريات النور والهداية والأمان.
ومن رسائل هذه العبقرية في هذا الزمن أنه زمن ضاعت فيه الشخصية الإنسانية بين التخصص والكثرة العددية، وكلاهما «فناء» لمزايا الإنسان أشبه بفناء «النرفانا» في عقائد المنهزمين المنكرين للحياة.
Shafi da ba'a sani ba