إن القانون قد صدر من نفس الإدارة التي أصدرت قانون الدمغة، ولعله قد أريد به تيسير إرهاب الولايات لإخضاعها لحكمه، ولهذا اشتملت نسخته عند تدوينها لأول مرة على فقرة تخول ضباط الجيش أن ينزلوا الجنود في المنازل الخاصة بأمريكا، ولما عورضت هذه الفقرة أشد المعارضة، انتهى الأمر بحذفها والاكتفاء باستئجار المساكن الخالية والأنبار (مخازن الغلال) لإيواء الجنود حيث يزودون بالوقود، والمصابيح، والفراش، وأدوات الطبخ وتهيئة الطعام، مع خمسة أكواب من الجعة أو السدر، أو نصف كوب من شراب الروم لكل جندي كل يوم، وبعض أشياء أخرى لا تؤدى أثمانها جميعا، بل تتكفل بها خزانة الإقليم. وما من وسيلة في الإقليم لجمع المال غير إصدار قانون من مجلس الولاية يوجب تحصيله، وعلى هذا وجب أن ينظر إلى الأمر على اعتباره قانونا صدر هنا ليعززه قانون يصدر من المجالس الأمريكية، وقد ارتاب بعضهم في صواب هذا الإجراء؛ لأنهم يرون أن المجالس في أمريكا إنما هي برلمانات صغيرة، وليست هيئات تنفيذية أو ديوانا من دواوين الحكومة يعمل عمله تنفيذا للأمر الذي يصدر إليه، فإنما هي هيئات مشورة وإبداء آراء ينظر أعضاؤها فيما يعرض عليهم؛ ليتدبروا منافعه وضروراته، ووجوه الصواب والإمكان فيه، ثم يقرروا ما يقررونه حسبما يرونه، فإذا أكرهت هذه المجالس على سن القوانين، على صواب أو على خطأ إطاعة لتشريع تمليه عليها هيئة تشريعية أخرى، فلا نفع لها باعتبارها هيئة نيابية، ولم تبق لها صفتها ولا حقيقة كيانها.
والحق أن القانون البرلماني نفسه يلوح عليه أنه أحس ذلك؛ لأن القوانين الأخرى التي تفرض الواجبات على الأشخاص تنص على عقوبة الرفض والإهمال، وعلى الطريقة التي تتبع في تنفيذ تلك العقوبة، ولم يرد نص كهذا - ولا يعقل أن يرد - في مثل هذا القانون البرلماني عما يطلب من مجالس الأقاليم، فوقع في حساب الأمريكيين أنه طلب تنظر فيه المجالس لتقره أو لا تقره، كله أو بعضه، حسب اختلاف الأحوال بين الأقاليم، ومن ثم قبلته ولاية بنسلفانيا حيث يقل عدد الجنود على العموم، ولم تقبله ولاية نيويورك حيث تعبر الجنود جيئة وذهابا عدة مرات بين بريطانيا والولايات الفرنسية، وحيث يشعرون بثقل العبء عليهم من جراء تنفيذه، ولهذا قبلت الولاية جزءا من الطلب ووجهوا خطابا إلى حاكمهم سردوا فيه أسبابهم بأسلوب ملؤه اللطف والاحترام.
وإن كثيرا من الناس ليبدو لهم أن هذا القانون خطأ على التحقيق؛ إذ ليس من اليسير توضيح سبب حسن لإنزال الجنود في مكان من الأمكنة بين مستعمرات الملك جميعا لتزويدها بشيء ما في مقابلة لا شيء، إنهم يصطحبون معهم صرافا على الدوام، فلماذا لا يؤدي الثمن لكل ما يحصلون عليه؟
إن هذه التكاليف عبء ينفرد بحمله الإقليم الذي يتفق أن يلقى عليه، وهو من ثم غير عادل وغير سواء، وفي بريطانيا يلقى هذا العبء على أصحاب الخانات ويعتبر كالضريبة التي تفرض على أرباب هذه الصناعة، وفي وسعهم تعويض الغرم بزيادة الأجر على النزلاء وتوزيع الضريبة بهذا الأسلوب على نحو أقرب إلى المساواة، ولكن الولاية التي يتفق أن تتعرض لهذا الغرم لا تستطيع أن تلقيه على ولاية أخرى معفاة منه بحكم موقعها.
إلا أن خطباءنا - خطباء القهوات - ينظرون إلى المسألة نظرتهم ويقررون أن هذا الإنكار الموافق لمجرى القانون عصيان يعاقب بما يلائمه. وإنه لخليق أن يكون إجراء نادرا ذلك الإجراء الذي يجعل القانون يفرض شيئا جديدا ولا يقرر وسيلة تطبيقية، ولا العقوبة التي تترتب على مخالفته، ثم يأتي بعد المخالفة فيقرر هذه وتلك. فتلك فيما أرى أول سابقة من نوعها في شئون التشريع، ولا تحسب في باب الشرائع كما تحسب في باب الفخاخ التي تنصب للرعايا ليقعوا فيها، وكذلك يكون عصيانه ضربا جديدا من العصيان؛ إذ كان المفهوم من العصيان دائما أن يفعل الإنسان شيئا، وهذا عصيان يقوم على أن المرء لا يفعل شيئا من الأشياء. فإن كان كل إنسان يهمل شيئا في قانون ما أو يدع تنفيذ ذلك القانون يحسب ثائرا عاصيا، فإنني لأخشى أن يكون عدد الثوار بيننا أكثر مما نحسب، ومنهم - ولا نحصيهم - أولئك الذين أهملوا تسجيل أوزان الأطباق وسداد الضريبة عنها، وهم فيما أظن غير قليلين، ويصح أن يضاف إليهم أولئك الذين يلبسون الحرائر الفرنسية وما شابهها من فاخر الثياب.
أما قصة الطلب أو العريضة التي سبقت الإشارة إليها، فقد سمعت من بعض التجار أبناء ولاية نيويورك رأيا يقولون فيه: إن القوانين التي تقيد التجارة في الولايات لا تضر الولايات فحسب، بل يتعداها الضرر إلى المملكة الأم (يعني إنجلترا)، وإنهم ليذكرون الأسباب التي يبنون عليها هذا الرأي وهي جديرة أن تدرس هاهنا. وقد يتبين أنهم على صواب فلا يستحقون الزجر، بل يستحقون الشكر والثناء، وإلا ففي الوسع إلقاء الطلب جانبا والإعراض عنه، فليس الطلب ثورة ولا عصيانا، ولكنه في صميمه اعتراف بالسلطان لمن يتقدم الطلب إليه، وأن مقدميه من رعاياه.
بيد أن الآراء المتحيرة تخلق من الحبة قبة في كثير من الأحيان، وحين يكون الذئب قد عقد العزيمة على مخاصمة الحمل، فلا فرق بين وقوفه على اتجاه الماء أو على غير ذلك الاتجاه، وما أيسر ما توجد التعلات أو تخلق إذا لم توجد، ولا مبالاة بالحكمة والإنصاف فإنهما لمن وراء الحسبان!
محادثة عن الرق
وهذه رسالة كتبها في الثلاثين من شهر يناير سنة 1770 إلى صحيفة الإعلان العام
للرد على الذين ذكروا مسألة الرق في أمريكا ليعترضوا بها على المطالبين بالحريات القانونية من الأمريكيين.
Shafi da ba'a sani ba