يعمل في السياسة اليوم أناس كثيرون كلهم له وظيفة سياسية، وكلهم له عمل غير أعمال الآخرين، وقد يقضي الواحد منهم حياة معمرة ولا يشتغل في السياسة بوظيفة غير الوظيفة التي استعد لها بترتيبه وتعليمه.
فالوزير، أو الزعيم، الذي يقود الرأي العام سياسي، والسفير الذي ينوب عن دولته عند الدول الأخرى سياسي، والحاكم الذي يدير الديوان أو يحكم الإقليم يعد من ساسة البلد، والعالم الباحث الذي يدرس النظريات الاجتماعية ومبادئ الحكم عالم سياسي أو خبير مختص بعلم السياسة.
وهذه كلها أعمال محدودة في العصر الحاضر، لا يختلط واحد منها بغيره، وإن كانت كلها تنتظم تحت عنوان السياسة.
ولكنها لم تكن محدودة في عصر فرنكلين، ولم تكن محدودة في وطنه بصفة خاصة إبان حركة الاستقلال؛ لأن الشعب الأمريكي في ذلك العصر كان يتطلع إلى زعمائه البارزين في كل مشكلة، ويتطلب منهم العمل والهداية في كل موقف، وكان يواجه المسائل والخطوب جملة واحدة بكل ما عنده من قوة وقدرة، فهو يندب الرجل الذي يراه أمامه للمشكلة التي يراها أمامه، وينتظر من الفقيه أن ينفعه في تدبير شئون القتال، ومن المقاتل أن ينفعه في تدبير شئون الحكم، ومن التاجر أن يعمل عمل السياسي، ومن السياسي أن يعمل عمل التاجر، ولا يملك الوقت ولا التنويع أو التقسيم الذي يتيح له أن ينتظر لكل عمل صاحبه ولكل رجل رسالته، فكل مشكلة لساعتها، وللرجل الذي يلفت الأبصار ويقرع الأسماع في تلك الساعة، وهذه هي المحنة التي امتحنت كل معدن من معادن الرجال البارزين فأخرجت في معصرة الشدة خير ما فيه.
وأخرجت من هذا فئة صالحة من الزعماء لا تفوقهم فئة من قبيلها في عهد من عهودها التالية، بعد النهضة والتقدم والاتساع والارتفاع.
وكان فرنكلين واحدا من هؤلاء الزعماء المدخرين للشدائد في أوقاتها، وللسياسة بجميع مقاصدها: سياسة الزعيم، وسياسة السفير، وسياسة الحاكم، وسياسة الباحث في كل سياسة.
ونجح حيث طلبوا منه النجاح، ولم يخيب الظنون في رجاء يناط به أو ناطته به حوادث الأيام.
في عصرنا هذا قد نترجم السياسي ونلتمس أسباب نجاحه في أوائل نشأته ومبادئ تربيته وتعليمه .
وفي عصر فرنكلين نفسه ربما جاز التماس الأسباب - أسباب النجاح - في النشأة والتربية والتعليم.
ولكننا لا نستغني في عمل من أعمال فرنكلين - خاصة - عن الرجوع به إلى الفطرة الموروثة قبل غيرها، فلم تكن في عصره علوم مقررة وبرامج محفوظة لتخريج الساسة الناجحين في كل ضرب من ضروب السياسة، ولو كانت هناك تلك العلوم والبرامج لما فسرت لنا شيئا من نجاحه في سياسته؛ لأنه - كما قيل - لم يوجد أحد قط كانت فائدته من المدرسة أقل من فائدة فرنكلين.
Shafi da ba'a sani ba