بعد ظهور العشرات من مخترعاته فيقول: إن الحسد يأبى على المنافسين أن يعترفوا للمخترع بفضل اختراعه، وإن الغزو يسول لهم بعد ثبوت نفعه أن يدعوه لأنفسهم ويكابروا في الدعوى فيصدقهم الحساد والجهلاء، وإنه ما من إنسان مالك لقواه العقلية يتمنى لصديقه أو لولده أن يشتغل بالاختراع.
4
ولعله من مصداق ما تقدم في كل معنى من معانيه حوار الدكتور جونسون وتلميذه بوزويل عن تعريف فرنكلين للإنسان.
قال بوزويل: «أحسب أن تعريف الدكتور فرنكلين للإنسان تعريف حسن: حيوان صانع للآلات.»
والذين قرءوا مفكرات بوزويل عن أحاديث الدكتور جونسون يعلمون أن الأستاذ لم يسمع من تلميذه فكرة إلا سارع إلى مخالفته فيها، وأنه لم يكن من عادته أن يمنح موافقته لشيء من الأشياء بغير اعتراض.
وعلى هذه العادة أجابه الدكتور قائلا: «لكن كم من الناس لم يصنع آلة قط، وهب إنسانا بغير ذراعين، فإنه لا يقدر على صنع آلة من الآلات؟»
إن تعريف فرنكلين للإنسان في الحقيقة أصدق تعريف له وأوفاه بالشرط الجامع المانع في التعريف، فما من فارق بين الإنسان والحيوان أوضح وأثبت من قدرة الإنسان على صنع الآلة واستخدامها، وهذه القدرة هي المقصودة بتعريف فرنكلين لا وجه للاعتراض عليها بتفاوت الناس فيها. فليس الاعتراض الصالح على تعريف الإنسان بالحيوان الناطق أن بعض الناس لا ينطقون ولا يفكرون، وأن بعضهم يولدون بكما أو مجانين، وليس من الاعتراض الصالح على تعريف الإنسان بالحيوان الاجتماعي أن يشذ بعض الناس ويتأبد في الخلاء وينفر من الاجتماع، ولكن العبرة من هذه القصة أوسع وأدق من أن يحيط بها تعليق واحد، وكفى منها هنا أن تبرز قدرة العقل العلمي المطبوع على التعريف وإقامة الحدود والفوارق، وأن تبرز تلك الرابطة الوثيقة في طبيعة فرنكلين بين الإنسانية وصنع الآلات، وأن تبرز مع هذا وذاك سهولة الإنكار حتى من الفضلاء!
ولم يقنع فرنكلين بخدمة العلم بفكره منفردا مستقلا عن القادرين على خدمة العلوم في بيئته وعصره، فأنشأ نادي «الجاتنو» الذي أصبح مجمعا للعلوم والآداب، ثم أصبح بعد ذلك جامعة بنسلفانيا القائمة إلى اليوم، ونظم الجماعة الفلسفية الأمريكية، كما نظم أول مكتبة عامة تقتني الكتب بالشراء والاستعارة وتعيرها القراء ومن يحتاجون إلى المراجع من أصحاب المباحث والدراسات، وقد كافأته الجماعة الفلسفية على غيرته العلمية وجهوده في نشر المعرفة، وتمكين العلماء من نشرها بانتخابه رئيسا لها مدى الحياة، وهو تقدير من النخبة المختارة يفوق التقدير الذي يلقاه طلاب الرياسة في مناصب السياسة، وكان فرنكلين فخورا به متعزيا به عما كان يلقاه من حساده الأقوياء من البخس المتعمد ونكران الجميل.
ومهما تتعدد جهوده ومشاركاته في الأدب والسياسة والاجتماع، فليس من الحصر الذي يزري بها أن نقول: إنها كانت في جملتها وتفصيلها جهود العالم المطبوع، بذلك المعنى الذي افتتحنا به الكلام في هذا الفصل عن فرنكلين العالم، وزبدته أن الملكة العلمية لم تفارقه قط في تلك الجهود والمشاركات.
الكاتب
Shafi da ba'a sani ba