العفة:
لا تطاوع شهوات الجسد في غير داع من دواعي الصحة أو الذرية، ولا تبلغ بها مبلغ البلادة والضعف أو الإضرار بسلامتك وسمعتك أو سلامة غيرك وسمعته.
وأنبأه بعض أصدقائه أنه يوصف أحيانا بالكبرياء، فأضاف إلى هذه الأخلاق خلق التواضع ولم يعرفه كما عرفها، بل اكتفى بأن كتب أمامه: «سر على منهاج المسيح وسقراط.»
ولما فرغ من إحصاء هذه الأخلاق بعد عرض الأخلاق الإنسانية جميعا على ذهنه، ورأى أن هذه الأخلاق التي اختارها هي مساك المروءة وأجدرها منه بالارتياض عليها واستدراك نقصها - جعل لها درجات يومية في كل أسبوع، وأخذ نفسه بتقدير هذه الدرجات ومحاسبة ضميره عليها، ليبدأ الأسبوع التالي على عزيمة وبصيرة بحظه من النجاح، والإخفاق.
وهكذا كان يصطحب مقياسه العلمي في معيشته اليومية وفي ملاحظاته العارضة، ولا ينتهي إلى حكم فيها إلا على قدر معلوم وحساب مرقوم، ومن تجاربه العارضة في ذلك أنه رأى في طريقه واعظا يلقي على الناس خطبة من خطبه الدينية، وأحب أن يعرف مقدار الإقبال عليه ومبلغ أثره في سامعيه، فتراجع إلى أقصى مكان في الحلقة وعد خطواته وراقب انصراف الناس عن الخطيب وبقاءهم حوله، وقدر لكل رقعة محدودة من الأرض عدد الواقفين عليها، وعلم بذلك مكانة الخطيب.
أما كشوفه العلمية فقد كانت مقاييسه فيها تجمع هذه المقاييس وتزيد عليها خصلتين نادرتين في زمانه، ولا تزالان نادرتين في هذا الزمان، ولعلهما من الخصال التي لا تكثر في زمان من الأزمنة.
هاتان الخصلتان هما: توحيد القوانين الطبيعية في أرجاء الكون، وتفتح الذهن لكل فرض واحتمال.
فقد كان له عقل يفكر في حوادث السماوات والأرضين على نسق واحد، ولا يقيم بين الحوادث فرقا تختلف فيه قوانين الطبيعة بين مكان ومكان، فلم يجد في تفكيره فرقا بين انتقال الكهربا من سحابة إلى سحابة، وبين انتقالها من جسم إلى جسم في الأجهزة المصنوعة على النمط البدائي الذي شاع بين العلماء في القرن الثامن عشر، ولم يجد فرقا بين حركة الهواء في الحجرة من أثر التسخين الصناعي، وبين حركة الهواء في عواصف البحار والمحيطات.
وكان يلتفت إلى المشاهدات ولا يرفض منها شيئا بغير بينة وقبل التجربة والمراجعة، وسنقرأ له في المختارات من كلامه أنه كان يعيب المحدثين لاستخفافهم بمشاهدات الأقدمين، ويعيب العلماء لاستخفافهم بمشاهدات العامة والجهلاء، فكل مشاهدة لها عنده حق من الاستماع والعناية إلى أن يتحقق من صحتها أو بطلانها، وربما انتهى إلى حكم فيها ثم علق هذا الحكم على التجارب التالية التي يتهيأ لأصحابها أن يكشفوا عن عواملها وأسرارها ما ينكشف للباحثين في الوقت الحاضر.
ونذكر لهذه الخصائص العقلية أسبابا شتى لتعليمها والرجوع بها إلى ظروفها وملابساتها.
Shafi da ba'a sani ba