أصحاب الحديث يخوضون «١» في أبي حنيفة، وفي كيف عظم شأنه بعد خموله، قال: هيهات! طارت بفتياه البغال الشّهب! قالوا: ووجّه معاوية لما كلّموه في يزيد بن ربيعة بن مفرّغ رجلا مجرّدا، لإخراجه من السجن، فخرج حتى أتى سجستان فأخرجه، فبلغ ذلك عبّاد بن زياد، فأرسل إلى حمحام، فلما رأى عهد معاوية كفّ، وأقبل حمحام بابن مفرّغ على بغلة من بغال البريد، وأنشأ ابن مفرّغ يقول:
عدس ما لعبّاد إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق
طليق الّذي نجّى من الكرب بعد ما ... تلاحم في درب عليك مضيق
قوله: «عدس ما لعبّاد عليك إمارة»، فزعم ناس أن «عدس» اسم لكلّ بغلة كمن، وذهبوا إلى قول الشاعر:
إذا حملت بزّتي على عدس ... على الّتي بين الحمار والفرس
فما أبالي من غزا ومن جلس
قالوا: وإنما قوله: «عدس» على مثل قول خالد بن صفوان حين فاخر اليمانية، وقال: «والله ما منهم إلّا ناسج برد، أو سائس قرد، أو دابغ جلد، أو راكب عرد «٢»، غرّقتهم فأرة، وملكتهم امرأة، ودلّ عليهم هدهد» .
وقال آخرون: قولهم: «عدس» للبغلة مثل قولهم: «سأسأ» للحمار، و«حا» للجمل، و«حل» للناقة. ألا تراه حين سخر
1 / 59