Farkon Zamani Batalima
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
Nau'ikan
في سنة 306ق.م تحطمت قوى «بطلميوس» البحرية، وحلت بها كارثة عظمى؛ فإن «دمطريوس» هاجم جزيرة قبرص على رأس أسطول، ونشبت معركة بحرية بالقرب من «سلاميس»، فأوقع «ببطلميوس» هزيمة، تشبه في مرارتها ونتائجها الهزيمة التي أوقعها به «بلطميوس» في «غزة» (57) قبل ست سنوات، وراح كثير من رجاله أسرى، ومنهم أخوه «منلاوس» حاكم الجزيرة، و«ليونتسقوس» (58) ولده من إحدى حظاياه الكثيرات، ومعهما عدد من كبار ضباطه. غير أن «دمطريوس»، بما عرف عن أشراف المقدونيين من نبل الأخلاق في معاملة بعضهم بعضا، وتنويها بروح الفروسة، رد إلى «بطلميوس» كل من أسر من النبلاء، بغير فدية. وقضي بذلك على حكم بطلميوس في جزيرة قبرص (59) وأتت الهزيمة على قوته البحرية إلى حين.
كذلك فقد بطلميوس في معركة واحدة نتائج كل الجهود التي جهدها خلال ستة عشر عاما ليملك في خارج أفريقية: (60) سورية وقبرص. ولكن بقيت له «مصر وقورينا»، فظل السيد المطلق اليد في مملكة النيل، الغنية بالمال والأرواح، المقفلة الحدود أمام العالم كله بالصحاري القاحلة، والشواطئ الخشنة، التي لا تئوي سفينا. وبالرغم من كل هذه الكوارث الشداد، استطاع «بطلميوس» أن يتريث، وأن ينتظر انقلاب دورة الحظ متلبثا، فانسحب بسلام من وسط العاصفة التي كانت ترسل بأهازيجها في الخارج. ولقد بان أن حكمته في اختيار هذه الخطة، كانت أبلغ مما ظهر بديئة الأمر. •••
كان موقف «بطلميوس» في مصر خلال ذلك الوقت، غيره عندما هبطها سنة 323ق.م؛ فإنه في تلك السنة لم يكن أكثر من وال تابع للملكين «فيلبس أرغيدايوس» (61) والملك «الإسكندر الصغير» (62). أما «فيلبس أرغيدايوس» فكان قد قتل سنة 317ق.م بسعاية أم الإسكندر الأكبر. كما قتل الملك قصندر (63) الملك «الإسكندر الصغير» سنة 311ق.م؛ فلم يصبح هنالك أي وزن للقول بوجود قيصرية مقدونية موحدة. غير أن القواد المقدونيين لم يجنحوا توا إلى الألقاب الملكية، بعد موت الإسكندر الصغير. وكان أنطيغونس أول من فعل ذلك في سنة 306ق.م بعد انتصار سلاميس (64). وتدلنا المراجع على أن «بطلميوس» تابعه في ذلك وشيكا؛ ليظهر بذلك أن الهزيمة لم تلن قناته، ولم تفل من عزمه. ومذكور في «سجل الملوك» الإسكندري أن ملوكية «بطلميوس» لم تبدأ قبل نوفمبر سنة 305ق.م وذلك ما يؤيده عدد من أوراق البردي «الديموطيقية»
14 (65)، على أن المراسيم الرسمية في مصر، استمرت تؤرخ إلى ذلك العهد بسنوات «الإسكندر الصغير»، حتى من بعد موته،
15
احتفاظا بمظهر وهمي. غير أن هذا الوهم كان له أثره في أن يحتفظ بطلميوس بعرش ظل شاغرا طوال فترة توسطت حكم ملكين، وقد ترقب فيها «بطلميوس» سير الحوادث؛ ليعين أي شكل سوف يتشكل به حكمه في مصر، والدنيا من حوله في حالة لم يسبق لها من مثيل.
ولقد يظن أن تغيير لقب «بطلميوس» من وال إلى ملك، أمر غير ذي بال، ولكن يجب أن نعي أنه إذا كانت سيادة ذلك الصبي الذي كان يقيم بعيدا في مقدونيا، لم تكن أكثر من وهم، حتى حال حياته، فإنه كان وهما له أثره في عقول الجماهير الغفيرة التي تعيش على ضفاف النيل؛ فإن المصريين كانوا يرون فيه شخصا مقدسا، يكمن من وراء ذلك الدولاب الحكومي الظاهر، وينعت بنفس الصفات والألقاب التقليدية القديمة التي كانت تخلع على فراعينهم مثل «حوروس الفتى» (66) و«صاحب التاجين» (67) و«سيد العالم كله» (68) و«ملك الوجهين: البحري والقبلي» (69) و«قرة عين آمن» (70) و«المختار من الشمس» (71)، وأن حاكمهم الجديد «إبطلوميس»
16 (72)، كما كان يدعوه المصريون غالبا، إنما هو حاكم حازم، قوي الشكيمة، يحكم باسم فرعون ، شأن «عونا» (73) في الزمان الخالي. •••
في لوح هيروغليفي استكشف في القاهرة سنة 1871، ويرجع تاريخه إلى صيف سنة 311ق.م عبارات تبين بعض الشيء عن علاقة «بطلميوس» بالكهنة الوطنيين، في خلال الوقت الذي كان فيه واليا اسميا للملك الإسكندر الصبي.
17
Shafi da ba'a sani ba