Farkon Zamani Batalima
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
Nau'ikan
منذ نهاية الحرب السورية الأولى، حالت الأحداث والقلاقل التي وقعت في نواحي الأملاك السلوقية دون القيام من جانبهم بأي عمل في البحر المتوسط. وفي سنة 261 اشتبك أنطيوخس الأول (سوطر) في حرب مع «أومنس» الأول ملك «فرغامن»، وسقط في المعركة قتيلا، فخلفه ابنه «أنطيوخس الثاني» المكنى «ثيوس». وبعد أن اعتلى الملك السلوقي الجديد عرش السلايقة، خيل إليه أنه من القوة بحيث يستطيع أن يسترد من البطالمة خسائر بيته في الحرب السورية الأولى. والظاهر أنه نشبت حرب بين مصر وسورية، اتفق محدثو المؤرخين على تسميتها الحرب السورية الثانية. على أن معرفتنا بتاريخ هذه الحرب ووقائعها ومداها أقل من معرفتنا بوقائع الحرب الأولى. ويقول «بيروم» - ولكن في غير بيان: إن أنطيوخس حارب ومعه كل قوات بابلونيا والشرق، ولكن المحقق أنه لم ينجح في أن يسترد سورية الخالية، وربما لم يستطع أن يجتاز حدود الولاية التي طمع فيها. ولا شك في أنه نشبت معارك متهاوشة، في ميداني الحرب والدس السياسي، طوال شاطئ آسيا الصغرى، وكان الأسطول المصري عاجزا عن أن يؤثر تأثيره الأول بعد أن فقد سيادته في البحار. والراجح أنه كان بين «أنطيغونس المقدوني» وبين «أنطيوخس الأول» اتفاق ودي، لما بينهما من صلات المصاهرة من طريق زيجتين ملكيتين بين أسرتيهما. وكانت «ميلطوس» حينذاك في حيازة أفاق يدعى «طيمارخوس» استبد بالمدينة وتسلط عليها. ولا يبعد أن يكون امتلك «ساموس» أيضا، ولم يكن على التحقيق صديقا «لأنطيوخس»؛ ذلك بأن قمع «طيمارخوس» جعل الميلطيين يضفون على أنطيوخس الثاني لقب الإله تعبيرا عن شكرانهم، واعترافا بجميله. كذلك لم يكن على ما يظهر صديقا لمصر؛ بدليل أنه حالف «بطلميوس اللصيق»، وهو ابن غير شرعي كان له اسم أبيه بطلميوس الثاني. والمدرك من حوادث هذه الحرب استنتاجا، أن مصر غنمت «أفسوس»، وأن ملك مصر نصب ابنه غير الشرعي قائدا هنالك؛ فثار «بطلميوس اللصيق» على أبيه، متحالفا مع «طيمارخوس»، ولكن لم يلبث غير قليل حتى قتله التراقيون الذين أجرهم مرتزقين.
في سنة 253 بعد وقوع هذه الحوادث ترجيحا، كانت «أفسوس» في يد السلايقة، كما يستدل على ذلك من نقش عثر عليه. ولا شك في أنها كانت إحدى مقار البلاط السلوقي في أواخر عصر «أنطيوخس الثاني». ويستنتج فوق هذا أن البقاع التي فتحتها مصر في الحرب السورية الأولى، حوالي قيليقيا وفمفوليا قد فقدتها في الحرب السورية الثانية؛ ذلك بأن «ثيوقريطوس» نوه بخضوعها لبطلميوس الثاني، ولم تذكر في نقش «أدوليس» ضمن التراث الذي ورثه «بطلميوس الثالث» عن أبيه.
وعقد الصلح في النهاية بين بطلميوس الثاني، وأنطيوخس الثاني (في أواخر سنة 252ق.م). والذي يلوح لنا أن هذا الصلح قد عد في بلاط الإسكندرية انتصارا لسياسة «بطلميوس». واتفق «أنطيوخس» على أن يتخذ «برنيقية» ابنة بطلميوس زوجة، وأن ينصبها ملكة. وكان له زوجة أخرى هي «لاوديقية»، وقد أنجب منها ابنان، ولكنه قبل أن يهجرها وأن ينبذها في سرديس أو أفسوس، وأن يجعل «برنيقية» ملكة في «أنطاكية»، ورافق الملك الشيخ ابنته حتى أوصلها إلى «فلوسيوم». وقد نتخذ هذه الحقيقة دليلا على أن سورية الخالية كانت جزءا من مهر «برنيقية»، حتى أصبحت «فلوسيوم» آخر بلدة على الحدود. ولكننا نعلم الآن أن الحقيقة على الضد من ذلك؛ فإن في محفوظات «زينون» كتابا حرره رئيس خدام قصر «أبولونيوس»
Dioiketes
في فينيقية، وذلك في ربيع سنة 251ق.م جاء فيه أن «أبولونيوس» في طريقه إلى «صيدا»، ومعه الحاشية؛ ليرافق الملكة إلى الحدود. وذلك يدل على أن الحدود كانت لا تزال حتى ذلك الوقت شمالي سورية الخالية.
أما أن المهر قد تضمن التنازل عن أية أرض، فذلك ما ليس لنا به من علم، وكل ما نعلم في شأنه أنه كان باهرا عظيما، حتى إنه أضفى على «برنيقية» نعت «فرنوفورس». ولقد تخبر أن «بطلميوس» استمر يزود ابنته على غير انقطاع بكميات من ماء النيل، بزعم أنها تزيد الخصب والقدرة على الإنتاج. ولقد توقع «بطلميوس» أن «برنيقية» إذا أنجبت من أنطيوخس ابنا، فإن بيت «سلوقوس» سوف يرتبط ومصر برباط الدم، وهو رباط وثيق، ذلك بأن ملك آسيا المقبل سيكون حفيده ... ولو أنه عاش إذن لشهد الكارثة التي تبدد أحلامه، تلك الأحلام التي دلت شواهد الأحوال على أن الطريق قد مهدت لتحقيقها. •••
هنالك اتجاهات أخرى في السياسة الخارجية التي انتحاها بلاط الإسكندرية في خارج مصر، نستطيع أن نلحظ طرفا منها في خلال حكم «بطلميوس الثاني». ففي سنة 273، عندما اشتبكت «رومية» في حرب مع فرغوس الأفيروسي، هبط «إيطاليا» سفير من الإسكندرية ليعبر لرومية عن صداقة بيت بطلميوس. وكانت هذه أول مرة غشي فيها سماء مصر خيال دولة فتية تنشأ في الغرب. ولا ريبة في أن «الإسكندرية» مضت تنشئ في ذلك الحين علاقات تجارية مختلفة في حوض البحر المتوسط كله، تبعا لازدياد متاجرها زيادة متواصلة.
كانت أرسنوية فيلادلفوس في سنة 273 ما تزال قابضة بيدها على دفة السفين، على العكس مما كان في سنة 264، عندما نشبت الحرب «البونية» الأولى بين رومية وقرطاجنة، ولجأت قرطاجنة إلى مصر جارتها الإفريقية، تسألها قرضا ماليا. وكان البلاط الإسكندري حينذاك وبعد موت «أرسنوية» قد نزع إلى سياسة وضع الأشياء في نصابها الحق، ما دام وضع الشيء في نصابه معناه الإخلاد إلى السكون والراحة. ويغلب أن أقرب السياسات إلى الحكمة في مثل هذا الموقف كان الاحتفاظ بالحياد التام. فرفض «بطلميوس» أن يعقد للقرطاجنيين القرض الذي طلبوا، بدعوى أن كلا الطرفين صديق له، وأنه يكون سعيدا لو أتيح له أن يخدمهما بالوساطة الحبية، إن كانا في حاجة إليها.
ومما ينبغي لنا أن نعيه، إذا كانت ورقة البردي التي يرجع تاريخها إلى 252-251ق.م قد أحسن قراءتها، أن رومانيا اسمه «دنيوس» أو دنوس خدم جنديا في جيش بطلميوس، ومعنى هذا أن رومانيا أغراه ما يتوقع من خير تلقاء الخدمة تحت راية ملك مصر، فركب إليه متن العباب. •••
وكانت فلسطين كما رأينا مستعمرة ذات خطر عظيم لملك مصر، وقد أوضحت أوراق «زينون» البردية قيمة العلاقات التجارية الواسعة بين الأغارقة المتمصرين، وبين البلاد الواقعة جنوبي لبنان: تلك التي كانت تصدر إلى مصر زيت الزيتون والماشية والأرقاء، ولقد طبع الحكم البطلمي بطابع يظهر جليا واضحا في الأسماء التي أطلقت على بلاد كثيرة، ففي المنطقة الواقعة جنوبي بحر الجليل نصادف بلدة «فيلوطرا»، وفي وادي لبنان شمالي دمشق، كانت مدينة «أرسنوية»، ويذكر «إسطيفن» البوزنطي أنه كان في محل ما من فلسطين بلدة أخرى باسم «أرسنوية»، ومدينة باسم برنيقية. ولكن مقر الحكم البطلمي في فلسطين، كان مدينة «عكو» (250) الواقعة على الشاطئ، وذكرت في كتب العهد القديم بهذا الاسم، وتعرف الآن باسم «عكا»
Shafi da ba'a sani ba