Gida Mai Suna Mummuna

Najib Mahfuz d. 1427 AH
59

Gida Mai Suna Mummuna

بيت سيئ السمعة

Nau'ikan

اتجهت عيناها لحظات إلى العاشقين في الطرف الآخر للحديقة. ناضجة تماما، وهو من حسن الحظ يفضل ناضجات نصف العمر. - وعندما قابلتك بعد خمسة عشر عاما من الاختفاء، وجدتك مطلقة وحزينة لحرمانك من ابنك، فتذكرت بقوة غير متوقعة أنني بلغت الأربعين دون زواج، وقلت لنفسي: لعل هذا اللقاء قد تم ليصحح أكثر من خطأ.

وترامت نشرة أخبار الثامنة والنصف من مقهى بالسوق وراء محل بيجل، فاقتحمت مجلسهما الهادئ المعبق بالياسمين. وتساءل حامد: هل الحرب حقا وشيكة الوقوع؟

فقالت باستهانة: هكذا يقولون منذ أن تولى هتلر الحكم. - صدقت، المهم أن نتزوج في أقرب وقت ممكن.

عكست عيناها نظرتين متعاقبتين، الأولى مشرقة والأخرى غامضة دارتها بابتسامة، فقال: لا شك أنك فكرت في ابنك. - أنت تقرؤني جيدا، ولكني على الحالين لن أراه إلا نادرا. - يمكن الاتفاق على ذلك مع زوجك. - لن يذعن، إنها العداوة العمياء.

طالعها بنظرة إنكار فاستطردت: أكثر أعوام المعاشرة احترقت بنار العداوة. واستمرت بفضل تعلقي بابني، حتى أدركني اليأس. - سينسى الرجل العداوة مع الزمن. - ليس هو بالرجل الذي ينسى. - أمر مؤسف حقا. - المهم أن تفكر طويلا قبل ... - فكرت طويلا ثم اخترتك عن اقتناع وحب.

قالت برضى: الواقع أني أشعر بغربة شديدة في بيت أختي، بالرغم من أن حالتي المالية لا بأس بها. - إني أدرك ذلك يا عزيزتي، لكن أتسمعين؟ هل حقا ستقع الحرب؟

ابتسمت ابتسامة دارت بها ضيقها بقطع تيار الحديث الأول، وقالت: لم تعد الأقوال تنطلي علي. - الحالة أحرج مما تظنين. - أهي تزعجك لهذا الحد؟ - إيطاليا رابضة في ليبيا.

رنت إليه بنظرة هادئة، فاستطرد: وهي رابضة أيضا في الحبشة، أتدركين معنى ذلك؟ - ولكن الإنجليز ... - الإنجليز، إما أنهم ضعفاء كما يؤكد موسوليني، وإما أنهم أقوياء كما يدعون. وفي الحالين سنتعرض لأهوال الغزو. - أنت منزعج كما لو أن الحرب ستعلن عليك أنت! بالله خبرني لماذا ترى أن يتم الأمر في أقرب وقت ممكن؟ - آه .. نعم يجب أن يتم الزواج في أقرب فرصة؛ لأنني عرضة للنقل إلى الخارج في أول حركة قادمة. - عندك فكرة عن المكان المحتمل أن تنقل إليه؟ - فرنسا، تصوري أن يمضي شهر العسل في باريس! - يا له من خيال! ولو أن ابني سيبقى في كفر الشيخ. - سوف ترينه يوما وهو رجل كامل، أما إذا قامت الحرب ... - لن يتم النقل، هذا كل ما هنالك. - لن يمكن التكهن بشيء. - سنبقى هنا غالبا وليس في هذا ما يضير. - آه، يا عزيزتي! هل تدركين معنى ضرب بلد كبلدنا بقنابل الطيارات؟ - لماذا يضربوننا؟ لسنا أعداء لأحد. - سوف يتداعى كل قائم للخراب. - لا أصدق هذا. - لماذا؟ - قلبي مطمئن في صدري. - ما أجمل أن يطمئن إنسان في هذه الظروف!

ضحكت في رقة بالغة، وسألته: هل عرفتني في رأس البر من النظرة الأولى؟ - طبعا. - إذن لم أتغير كثيرا؟ - أنت أجمل مما كنت إن يكن ذلك ممكنا. - لا تبالغ، ألم تترك سن المبالغات؟ - الحب لا يعترف بالزمن. - أنا لم أسافر إلى الخارج من قبل. - باريس عروس الدنيا، صدقيني. - فرنسيتي ليست على ما أود، ربما التحقت بمعهد مناسب. - أما إذا قامت الحرب ونحن في باريس؟ - الحرب أيضا! - لتقم الآن إذا كانت تنوي ذلك. - في باريس يمكن أن نرحل إلى بلد محايد كسويسرا. - كل شيء يتوقف على ما يصيب وطننا هنا. - أنا مطمئنة كما قلت لك، ولكن لماذا تقوم الحروب؟ - العداوات، الألمان يستعدون لهذا اليوم منذ أكثر من عشرين سنة. - عشرون سنة! إذن كيف يمكن أن تنسى عداوة؟

وهو يضحك: الناس لا ينسون العداوات، ولكن من حسن الحظ أنهم يتزوجون رغم ذلك!

Shafi da ba'a sani ba