ووجد علام يسري نفسه في غاية من السعادة، فامتلأ حبا لكل شيء، ورضى عن كل شيء. وكانت له ابنة وحيدة في العشرين من عمرها ومن خريجات الجزويت، وقد تقدم لخطبتها أخيرا قاض شاب، وبذلك وضح تماما أن رسالته في الحياة تتم على أكمل وجه يحلم به إنسان. وجاءه مدير مكتبه بأوراق العرض، ثم قال عندما هم بمغادرة الحجرة: عبد الفتاح حمام ما زال يلح في طلب المقابلة.
فقطب المراقب العام قائلا: وقتي ضيق كما ترى، اسأله عما يريد، وإن كان لديه طلب فحوله إلى جهة الاختصاص. - ولكنه يلح في طلب المقابلة دون ذكر أسباب، وقد طردته أكثر من مرة من مكتبي، ولكنه يعود بإصرار، ويكرر أن لديه ما يقوله لسيادتك شخصيا.
واضطر إلى أن يحدد له وقتا للمقابلة وهو كاره. وجاء عبد الفتاح حمام يسير في خطوات متهيبة وهو غاض البصر، وانحنى بإجلال وهو يقول: صبحك الله بالسعادة يا سيادة المراقب.
ولفت نظر المراقب بقصر قامته، وبروز صدره بروزا غير طبيعي، ولونه الشاحب، وشعر رأسه الأسود الغزير. وسأله وهو يداري غيظه: لماذا تصر على تضييع وقتي؟
وتهيأ عبد الفتاح للكلام فأضاع ثواني بارتباكه، فهتف المراقب العام: متى تجود يا ترى بالكلام؟
فاشتد ارتباك الشاب كما تجلى في احمرار وجهه، وقال بعجلة واندفاع كأنه يقذف بنفسه في الماء في أول تدريب يخوضه: أنا موظف ملفات الخدمة بالمستخدمين، وقد رجعت إلى ملف سعادتك لمناسبة إعداد البيان التمهيدي للتعيين الجديد، مبارك يا فندم، الموقف أنساني ما كان يجب أن أبدأ به.
وازدرد ريقه متوقفا عن الكلام، فتساءل المراقب العام: ألهذا تطلب مقابلتي؟ - كلا يا فندم، ولكني بالرجوع إلى ملف سيادتك اطلعت على شهادة الميلاد.
آه. شهادة الميلاد! وانتزعه الماضي من حاضره بجذبة واحدة قاسية، ولكنه لم يصدق. وتساءل ببرود: نعم؟ - اطلعت عليها، فوجدت بها شيئا غير طبيعي.
إذن هو ذلك! لا يمكن أن يصدق. ولكنه حقيقي كجثة مطمورة اكتشفت فجأة. وقاوم من خلال شعور بالإعدام، فتساءل: ماذا تقصد؟
فقال عبد الفتاح بشيء من الهدوء الأول مرة: يوجد «تحوير» في الشهادة. - لا أفهم! لعله تصحيح أو شيء من هذا القبيل؟ - من يدقق النظر لا يشك أنه ...
Shafi da ba'a sani ba