وراح يقرأ في الجريدة نبأ حادثة وقعت في المنيرة؛ إذ قتل شاب جارته بعد أن يئس من حبها! وكنا قرأنا الخبر، ولكن إعادته على أسماعنا بلهجته الصعيدية المتشفية أثارتنا إلى أبعد الحدود. أدركنا أن إفلاته من التهمة زاده على عكس المتوقع فجورا، وأنه من طبيعة شرسة لا تقف عند حد. ماذا يقصد بتلاوته؟ ومتى تدركه العدالة التي لا نتصور أن تهمل أحدا من الطغاة؟ وقلت معلقا على الحادثة: أهلك الفتاة وأهلك نفسه.
وقال رئيسنا الكهل: إني أعجب كيف يزهق إنسان روحا بشريا؟
فأجاب السماوي متهكما: ذلك أنك لم تعرف الحب!
واستقرت إلى سحر نظرة فرأيتها منكبة على العمل، ولكن بوجه مكفهر. وكأني أدركت للصواعق والزلازل والبراكين معنى جديدا لأول مرة. ورفع الغطاء عن وجه زميلنا برهان معلنا عن منظر لا ينسى. تحطم عرنين الأنف، واختفت قطعة من شفته السفلى عند الثنيتين. وتركت الخياطة الطبية بوجنته اليسرى طابعا كأثر الاحتراق. وفي كلمة ضاع بها شبابه كأن لم يكن. وعاد إلى عمله محطم النفس، فملأ قلوبنا بالشجن. وما عتم أن غادرنا إلى عمل آخر. ولبث حسن مصرا على هدفه لا يثنيه عنه صد أو يأس. وكثيرا ما كانت سحر تضيق بملاطفاته حتى صاحت به مرة وهي تتسلم منه رسائل ومذكرات: لا تحدثني هكذا من فضلك!
والتفتنا نحوهما بوجوه غير متسامحة، فتراجع قائلا: آسف، أنت لا تفهمين قصدي.
فمضت عنه وهي تقول بتحد: أنا لا أخشاك .. لا أخشى شيئا!
ولكن شيئا لم يكن ليصرفه عن التعلق بها، وتساءلنا بقلق هل نفاجأ بما ليس في الحسبان؟ وناقشنا الموضوع حول مائدة الغداء بمنزل رئيسنا الكهل. سألت: هل يقدم على قتل الفتاة؟
فأجاب جاري: إنه لا يتورع عن شيء.
وإذا بزميل يقول: أخشى أن ينتهي بها النضال إلى القبول! - القبول؟ - لم لا! إنه لا يريد أن ينهزم، والمرأة كما يقولون لغز.
وسألت رئيسنا عن رأيه فأجاب: إني أومن بالله، ويتجدد إيماني به عند كل صلاة.
Shafi da ba'a sani ba