فسألها بصوت متهدج: مجرد حيلة من الحيل؟ - ولكنها أسعدتك سعادة حقيقية.
فقال وغضبه يتراكم كزوبعة في الأفق: كذبة حقيرة. - لا تزعل، كانت السعادة حقيقية، وأنا أستحق شكرك.
رماها بنظرة قاسية لم تر من وجهها إلا دمامة وحشية، وأصغى في رجفة إلى حديث نفسه الثائرة التي تدعوه إلى خنقها حتى يتفجر دمها الأسود، فنظرت إليه بقلق وحذر فصاح بها: شيطانة حقيرة.
فلم تنزع بصرها منه متوثبة للدفاع عند أول حركة فصاح: وحيلة فاشلة، ألا تدركين ذلك؟ .. أود أن تدفعي حياتك ثمنا لها.
فلم تنبس وازدادت حذرا، فعاد يقول: وما فائدة ذلك يا مغفلة؟ لن تستطيعي أن تكرريها مرتين.
اطمأنت الآن إلى أن موجة الجنون قد انحسرت عنه فيما بدا، وأنه أخذ يسترد شيئا من هدوئه الخائب وإن رانت عليه كآبة ثقيلة، فقالت: لكنها حيلة لا بأس بها قبيل الرحيل، أليس كذلك؟
فقال بازدراء: قلت يا مغفلة إنك لن تستطيعي أن تكرريها مرتين.
فتساءلت: ومن قال إننا سنلتقي مرة أخرى؟!
حلم نصف الليل
أم عباس امرأة جميلة، عرفت في الحي بجمالها، ويتطلع إليها أصحاب الأذواق كما يتطلع أهل الخلاء إلى عين ماء. وهي إلى ذلك تمتلك عمارة قديمة من أربعة أدوار غير ثلاثة دكاكين أسفلها؛ ولذلك اعتدها الأهالي، وكلهم فقراء، حلما موشى بالذهب. ويوم توفي زوجها بائع المسابح والمباسم والأوراد كانت في حوالي الأربعين، وهي سن يعتبرها الحي ذروة النضج، ومجلى البضاضة، وعطر الأنوثة. وكثيرون سعوا إلى التزوج منها، ولكن القسمة دفعت بها إلى أحضان رجل لم يجر عند الظن على بال. كان حسنين يملك عربة كارو ويؤجرها إلى الغير، في الثلاثين من عمره، قوي الجسم، مرهوب الجانب، ومعدودا من فتوات الدرجة الثالثة. ولم يكن أحد في الحي يحبه أو يعجب به، فازدادوا له مقتا، وعجبوا كيف تقع امرأة كأم عباس في أحابيله، وقالوا بأسف والغضب والحسد يأكلان قلوبهم: مسكينة أم عباس، ومسكين عباس!
Shafi da ba'a sani ba