اندفعوا جميعهم خارجين مسرعين، وفي أعقابهم المهاجر «المصري»، نازلين السلالم متداخلين في الأجساد الكثيرة التي زحمت السلالم وما تحتها، وطرقات البناية، وقد عمهم الصمت، فتحولوا جميعهم من رجال ونساء وصبيان إلى عيون مفتوحة عن آخرها، تعمل فيما حولها من فراغ نصف مظلم، أما الآذان والحلوق فلا عمل لها، لا كلمات، ولا سماع لأناشيد الراديو الحماسية التي تبث غنائياتها عن لبنان: أحبك يا لبنان. يا وطني أحبك.
ثم سيول الأخبار المميتة حتى العظم للتهديدات الإسرائيلية لجيش الدفاع ضد من، هؤلاء الناس، والأطفال الرضع. خرجوا أربعتهم إلى الشوارع التي غطاها الصمت المترقب، لا سيارات ولا بشر ما عدا الكلاب التي تزايد سعارها، في عراك ضار حول أكوام الزبالة وصناديقها وروائحها.
ظلوا يمشون في ظل الحواري ميتة الحركة، ومنها إلى الشوارع، إلى أن قاربوا مبنى المستشفى التي تبدت وحيدة بيضاء، تنبض فيها بقية حياة، حيث تكوم الأهالي هنا وهناك، وزحموا حديقتها قصيرة الشجر العارية .
مرق سرب من الطائرات الأسرع من الصوت، وعليها ثبتت كل العيون عاليا.
وكان قد انفصل عن العريض وفتاتيه الفلسطينيتين متخذا خطاه وحده باتجاه المستشفى.
ألقى السلام على الجرحى وأهاليهم وصافح أحدهم مندفعا صاعدا السلالم المفضية إلى داخل عنبر الجرحى.
وما إن التقيا حتى أسرعت إليه ملقية بنفسها بين ذراعيه على مرأى من الجرحى والمصابين الذين ركزوا أبصارهم الكليلة عليها. - ماذا يحدث؟
أزاحت قناعها عن وجهها النضر المبتسم: لماذا جئت؟
أفضى إليها بما يختنق به هذه الليلة: هذه الليلة الليلاء؛ دعيني أتأملك.
قدمت الفتاتان مسلمتين عليها، وفي أعقابها العريض. - ما الأخبار؟ - يزحفون أكثر باتجاه بيروت بمدرعاتهم ودباباتهم.
Shafi da ba'a sani ba