Tsakanin Ebba da Ambaliya
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Nau'ikan
ولقد اختلطنا بالدولة التركية اختلاطا شديدا ستة قرون سيطرت فيها على دوائر الحكومة والإدارة في مصر وغيرها من الأقطار الناطقة بالعربية؛ فأدخلت في تلك الدوائر ألفاظا تركية، واصطلاحات تركية بقيت في المحررات الرسمية، وأثرها يدور على الألسن. كذلك كثرت النساء التركيات سائدات ومسودات في المنازل الشرقية؛ فكان نشر لغتهن بين ذويهن ومخالطيهن أمرا طبيعيا، وحيث لم يفلحن في نشر اللغة نثرن أسماء لمسميات متداولة، هي هذه الألفاظ والأسماء التي تود أنت اليوم أن تستبدلها بسواها، ثم طرأ الاختلاط بأمم أخرى عن طريق السياسة والاقتصاد والزواج؛ فإذا بهذه الأمم تعطينا ألفاظها، وتغمر لغتنا بفضلها، وتحبونا بترقيع لغوي مزر، فصار حديثنا - حتى حديث بعض كبار كتابنا - شبيها ... بالسلطة الروسية. •••
أما كلمة «آبلا» التي يظهر أنك مستاء منها بوجه خاص، فأظنها مترجمة عن الاصطلاح الإفرنجي.
ذلك أن في مدارس الراهبات تنادي التلميذات معلماتهن الراهبات باسم «يا أختي»
Ma sœur . فبماذا تنادي التلميذة معلمتها في المدرسة المصرية؟ إن كلمة «يا أختي» «يا أخي» شائعة بين الشرقيين شيوعا لم يألفه الأوروبيون، والفتاة الشرقية كثيرا ما تنادي رفيقتها بالدراسة وصويحبتها باسم الأخت، فإذا استعملت هذا الاصطلاح لمخاطبة معلمتها، فأي فرق تضع إذن بين معلمتها ورفيقتها؟!
فاهتدوا إلى كلمة «آبلا »، وهذه اللفظة التركية ومعناها «الأخت الكبيرة» تفي هنا بالمراد؛ إذ ليس فيها تصلب كلمة «معلمتي»، ولا عبودية كلمة «سيدتي»، وليس فيها الدالة والألفة التي تلازم كلمة «أختي» العربية، بل هي جاءت مزيجا معتدلا من الدالة والاحترام، وكلاهما ضروري بين تلميذة ومعلمتها.
ولكن إذا جاز استعمال هذه اللفظة وسواها مما لا مقابل له في العربية (وهذا لا ينقص من شأن اللغة على الإطلاق)؛ فلا مسوغ لاستعمال الكلمات التي عندنا ما هو في معناها خير منها وأوضح.
منها كلمة «تنت» الفرنساوية التي تعني: العمة والخالة بلا تمييز، بينا هي عندنا أبين آصرة وأجلى تعريفا. و«الفاميليا» تستطيع أن تكون «العائلة» دون أن تتبلبل الألسن وتضل الأفهام. و«هاو آر يو، شير أمي؟» يمكنها أن تكون «كيف حالك يا صديقي العزيز؟» أو باللغة العامية اللطيفة «ازيك يا أخي؟» دون أن يرى أحد مكروها في عزيز لديه. «وتري بيان»، أو «أول رايت» في وسعها أن تكون «حسنا جدا» أو «كويس خالص» دون أن يضحي أحد بميل من ميوله، ودون أن يتنازل عن رأي من آرائه، ولكنه يكون بذلك أحسن ذوقا، وأوفى وطنية، وأكرم قومية. •••
لست أعني أن كل الوفاء وكل الوطنية في تعظيم ما هو لنا وتحقير ما هو لسوانا. إن في التعنت تصغيرا للنفس، وإفسادا للذوق، وتضييقا للإدراك، وهو أوسع السبل إلى الجهل والتقهقر والانكماش، ولكن الحكمة والواجب معا يقضيان بترويج ما عندنا مما ينطبق على حاجاتنا ويفي بمطالبنا، فإن لم يكن عندنا استفدنا بنتاج إخواننا بالإنسانية ليفسح لنا الحياة ويسهل علينا التفاهم؛ لأن نتاج الإنسانية من جميع جوانبها ملك للإنسانية في كل زمان ومكان، والمكابرة في كل أمر بلاهة وجمود وانتحار بطيء.
أما أن يكون لدينا ممتلكات ثمينة نعرض عنها بلا سبب فذاك الضلال المبين!
من ذا يشرح لي لماذا ينادي الطفل المصري والدته بقوله «نينه»؟ ولماذا تقول الفتيات المصريات عن أمهن: «نينتي»؟ كيف ترضون أن تكون أول لفظة غريبة، وأعز اسم غير عربي؟ للأمهات عذر في الماضي، ولكن ما عذر النساء الناهضات في الحاضر؟
Shafi da ba'a sani ba