Tsakanin Ebba da Ambaliya
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Nau'ikan
بقي أن نقرر أن كلمة «حريمي» - بلا مداورة - دليل ناصع على ارتفاع قيمة المرأة؛ إذ إن الزوج من زمن غير بعيد (وما زال كذلك في الطبقة الدنيا والمتوسطة الجاهلة) كان إذا أراد أن يذكر زوجته بلع ريقه أولا، ثم صمت لحظة، ثم أشار إليها باستعارة «الأولاد عندنا». «والأولاد عندنا» هي التي صارت «حريمي» بفضل «التطور» الحاضر.
وخلاصة القول، فإن استعارة «فلان وقرينته» تقوم بكل لياقة مقام «فلان ومدامته»، أو «فلان ومستيرته»، أو «فلان وسنيورته»، وإذا ذكر الرجل تلك القرينة، فخير أن يقول: زوجتي أو امرأتي وليس مدامتي. هذا مع الاعتراف بأن لفظة «مدام فلان الفلاني» على بطاقة الزيارة هي أنسب وأحكم من اللفظة العربية، وإذا كتب للزوجين كتابا مشتركا فيستحسن العنوان باسم «فلان وقرينته»؛ لأن كلمة «زوجة» ليس لها الصبغة الرسمية المقتضاة في الاسم العلني لمكتوب.
أعترف بوجود لفظة أخرى كلما هم القلم بتحبيرها بلعت ريقي أنا الأخرى شأن من أوشك أن يقول: «الأولاد عندنا»، وهي لفظة «عقيلة» التي لا يأنف استعمالها كثيرون من كتابنا.
ألا رحمة، يا حملة الأقلام!
أجيرونا من وقر هذه الكلمة الممزقة غشاء المسامع! تنازلوا عنها كرما في مطلع هذا العام الجديد! وعليكم بالزوجة، والقرينة، وبزوجة فلان وقرينة فلان، ريثما تتحفنا الفطنة منكم بلقب سعيد لا حل فيه ولا ربط ...
أجوبة الامتحان1
هون عليك يا صادق أفندي! فليس ثمة ما يستدعي حرج الصدر، وضيق الخلق، وشق الجيوب. هون عليك، وابق في أحاديثك الشهرية على ذلك الظرف المأنوس.
سيطول منك العناء إن أنت أردت أن تنصب نفسك على تحري الألفاظ الدخيلة واستبدالها بما يقابلها في العربية، وستخذلك القوة والنشاط إن أنت تعمدت مطاردة تلك الألفاظ العديدة واكتساحها.
ليس للغات حدود؛ لأن ما تترجم عنه من عواطف وخواطر لا يقف عند حد، ولا يمكن حبس أية لغة ضمن سياج وهمي من محتويات المعاجم، ومفردات الثقاة، وتقارير المجامع العلمية؛ لأن الميول الباعثة على التعبير لا تأبه للمعاجم، ولا تعنى بآراء الثقاة، ولا تتكيف بتقارير المجامع، وعبثا تقام حول اللغة الحواجز والسدود؛ لأن اللغة ككل كائن حي حساس، ذات اتصال دائم بما يحاذيها ويطرأ عليها؛ فالمد والجزر فيها متعاقبان، والنبذ والاكتساب على وفق حاجاتها سنة جارية لا تجدي في تحويلها عربدة الساخطين.
وكما تتأثر أحوال الأمم باحتكاكها بالأمم الأخرى، وتتأثر بالحوادث فتأخذ وتعطي، وتقلد وتقلد، وتقبس وتقبس؛ كذلك تتأثر اللغة بذلك الاحتكاك، وتوجد فيها الحوادث، قومية كانت أم تاريخية، تغيرا محتوما. حتى ليتسنى على وجه التقريب تتبع تاريخ الأقوام بمسايرة التغير البادي في لغتهم طورا بعد طور.
Shafi da ba'a sani ba