Tsakanin Ebba da Ambaliya
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Nau'ikan
كان اليونان واللاتين قد سبقوا العرب إلى غربي آسيا وشمالي أفريقيا، إلا أن نظاماتهم وعاداتهم لم يكن لها نصيب في حياة الشعب، ولم يقتبس بعضها إلا سكان المدن الكبرى، وبقي أهل الأرياف في ذلهم وبؤسهم يرتعون.
لكن العرب الذين كانوا يستنكفون عيشة الحضر هبطوا الأودية الخضراء، واستوطنوا المروج الفيحاء في جيرة الفقراء والفلاحين، وقد زاوجوهم فامتزجت المشارب واتحدت القلوب، فترك الغالب في حياة المغلوب أثرا بينا من حيث تحسين الأحوال وتسهيل المعيشة ورفع مستوى الإدراك؛ فإن الآداب والعلوم والصناعة والثروة والأمان كانت تحل أينما حلت مدنية العرب، وقد كانت سوريا ومصر وشمال أفريقيا والأندلس أوساطا سعيدة للدأب والنشاط، بينا كانت أقطار أوروبا في حالة أشبه بالهمجية، ويوم كان الغرب جاهلا وجود الشرق الأقصى، ولا يعرف من أفريقيا إلا بعض سواحلها القريبة، كانت قوافل العرب وسفائنهم تحمل تجارتهم إلى الهند وجاوه والصين، وأواسط أفريقيا والجهات القصية من أوروبا كروسيا وأسوج والدانمارك.
عرفت أوروبا العرب بفتوحاتهم الواسعة، ولم تكن لتصدق في بادئ الأمر أن سكان البادية يحسنون شيئا غير النهب والسلب والتخريب، على أنها ألفت مع الزمن وجودهم في الأندلس، ولما أن رأت إسبانيا مستمتعة بعيش رغيد في أمان وسلام؛ أرغم أهلها على الإقرار بأن العرب بارعون في فنون السلم كما أنهم متفوقون في فنون الحرب. وما تأسست جامعة قرطبة العظيمة وطارت شهرتها إلى ما وراء جبال البرنات؛ حتى توارد علماء الفرنجة يطلبون العلم على علماء المسلمين.
ومن بين قاصديها رجل فاضل كان يدعى
Gerbrt ، تلقن العلم من أساتذة العرب، وذلك لم يحل دون ارتقائه كرسي البابوية الجليلة بعد سنوات باسم سلفستر الثاني؛ لأنه كما قال روجر باكون الراهب الفرنسيسكاني، وهو نابغة كبير من نوابغ القرون الوسطى، إذ أوصى في كتبه بدرس اللغة العربية: «إن الله يهب الحكمة من يشاء، فلم ير إعطاءها للاتين؛ لذلك لم تزهر الفلسفة إلا عند شعوب ثلاثة: اليهود والإغريق والعرب.»
ومعلوم أن أوروبا مدينة للعرب بكتب جمة نقلها اليهود من العربية إلى العبرية، ثم ترجمت إلى اللاتينية ومنها إلى اللغات الأوروبية الحديثة. كما أن فلسفة أرسطو لم تصل إلى علماء القرون الوسطى إلا عن طريق العرب وبعد تراجم أربع: من اليونانية إلى السريانية، فالعربية، فالعبرانية، فاللاتينية.
وقد نشر الأستاذ سلامة موسى في جريدة «البلاغ» المصرية مقالا عن «العلوم والحضارة، ونصيب العرب فيها» نقلا عن مجلة «كونكست» الإنجليزية، جاء فيه:
أن العلم الحقيقي دخل أوروبا عن طريق العرب لا عن طريق الإغريق؛ فقد كان الرومان أمة حربية وكان الإغريق أمة ذهنية، أما العرب فكانوا أمة علمية.
فإنهم غزوا ممالك الشرق مثل: الهند وفارس وبابل، وتعلموا منها كل ما استطاعت هذه البلاد أن تقدمه لهم، ولم يقتصر علمهم على الصنائع اليدوية مثل: النسيج، والدباغة، والصياغة التي اشتهر بها الشرق، ولكنهم تعلموا أيضا جميع ما يمكن تعلمه من الهندسة والطب والميكانيكيات.
وقد أحرق البطريرك كيرلس مكتبة الإسكندرية في القرن الخامس، فهجر آلاف من العلماء تلك المدينة إلى فارس واستوطنوها، فلما ظهر العرب عادوا فجمعوا تلك المعارف المشتتة، بل أضافوا إليها.
Shafi da ba'a sani ba