فقالت أم حنفي بلهجة تنم عن فرحة الظفر: نعم يا ستي، طرقن الباب ففتحت لهن، فقلن لي: «أليس هذا بيت السيد أحمد عبد الجواد؟» فقلت لهن: «بلى.» فقلن: «الهوانم فوق؟» فقلت: «نعم.» فقلن: «نريد أن نتشرف بالزيارة.» فسألتهن: «أقول من الزائرات؟» فقالت لي إحداهن ضاحكة: «دعي هذا لنا، وما على الرسول إلا البلاغ.» فجئتك يا ستي طائرة وأنا أقول لنفسي: «يا رب حقق لنا الأحلام.»
فقالت الأم بعجلة دون أن يزايل الاهتمام عينيها: ادعيهن إلى حجرة الاستقبال ... أسرعي.
ولبثت دون حراك ثواني مستغرقة في خواطرها الجديدة، في الحلم السعيد الذي تفتحت لها دنياه الغناء فجأة، وإن بدا شغلها الشاغل طول الأعوام الأخيرة، ثم أفاقت إلى نفسها فنادت خديجة بلهجة لا تحتمل التأجيل، فجاءت الفتاة على الأثر، وما إن التقت عيناهما حتى غلبها الابتسام، وقالت وهي لا تملك نفسها من الفرح: ثلاث سيدات غريبات في حجرة الاستقبال ... ارتدي خير ملابسك ... واستعدي. ولما تورد وجه خديجة تورد وجهها أيضا كأنما انتقلت إليه عدوى الحياء، ثم غادرت الصالة إلى حجرتها في الدور الأعلى لتستعد بدورها لاستقبال الزائرات، وجعلت خديجة تنظر إلى الباب حيث اختفت أمها، غائبة الطرف، وقلبها يخفق لحد الألم متسائلة: «ما وراء هذه الزيارة؟» ثم نزعت نفسها من موقفها، وسرعان ما استرد عقلها نشاطه الفائق، فنادت كمال الذي جاءها من حجرة فهمي فبادرته قائلة: اذهب إلى أبلة مريم وقل لها إن خديجة تقرئك السلام، وترجوك أن ترسلي لها معي علبة البودرة والكحل والأحمر.
وتلقف الغلام الأمر وهو يعدو إلى الخارج، أما خديجة فأسرعت إلى حجرتها، ومضت تخلع جلبابها وهي تقول لعائشة التي لحظتها بعين متسائلة: اختاري لي أحسن فستان ... أحسن فستان بلا استثناء.
فتساءلت عائشة: ما الداعي إلى هذا الاهتمام؟ ... زائرة؟! من؟!
فقالت خديجة بصوت خافت: ثلاث سيدات ... (ثم وهي تضغط على مخارج اللفظ) غريبات.
فتراجع رأس عائشة في دهش، ثم اتسعت عيناها الجميلتان سرورا، وهتفت: آه ... هل يفهم من هذا أن ... يا له من خبر! - لا تتسرعي في الحكم .. فمن يدري عما هناك.
فاتجهت عائشة نحو صوان الملابس لتنتقي الفستان المناسب وهي تقول ضاحكة: في الجو شيء ... إن الفرح يشم كالروائح الزكية.
فضحكت خديجة لتخفي اضطرابها، واقتربت من المرآة ونظرت إلى صورتها بإمعان، ثم أخفت أنفها براحتها وقالت بتهكم: لا بأس بوجهي الآن، وجه مقبول (ثم رافعة راحتها) ... أما على هذه الحال فربنا وحده المنجي!
فقالت عائشة ضاحكة وهي تساعدها في نفس الوقت على ارتداء فستان أبيض موشى بأزهار بنفسجية: لا تغمطي نفسك ... ألا يسلم شيء من لسانك! ... ليست العروس أنفا فحسب، هناك العينان والشعر الطويل، والدم الخفيف!
Shafi da ba'a sani ba