قلت وأنا أسترد نظراتي: يعني البيضاء؟ - شيء كهذا. - اسم جميل. - وكيف عرفت أنه جميل؟ - لا بد أنه كذلك. - مرة أخرى، الطريقة المصرية للمجاملة.
ضحكت وقلت: تقصدين مجاملة سخيفة.
قالت على الفور: أبدا، مجاملة لذيذة جدا.
قلت: شكرا على الطريقة اليونانية للمجاملة.
وضحكنا وتلفتنا. كان القطار قد غادر حلوان إلى المعادي، غادرها ولم يبق إلا الجبل ومحاجره لنصبح في القاهرة، ودق منبه غريزي في صدري دقات قلق، ولكني تصنعت الهدوء وسكت، وسكتت هي الأخرى ذلك السكوت الذي ينتظر كل طرف فيه أن ينبئ الآخر ويستعد لما يقوله، سكوت أحسست أن كلا منا يجهز فيه كلاما متعمدا يقربه من الآخر.
وقلت لها: إذن، لن نتقابل بعد الآن؟ - أجل، مفروض هذا. - شيء مؤسف. - مؤسف.
ثم برقت عيناها وقالت فجأة كأن وحيا هبط عليها: اسمع. وقالتها بالعربية، و«اسمع» حين ننطقها نحن شيء، وحين نطقتها كانت شيئا آخر، أعذب «اسمع» سمعتها في حياتي. - اسمع، من شهرين كنت قد بدأت أدرس اللغة العربية، وقد انقطعت الدروس الآن، هل ... هل ممكن؟
وقلت أستحثها دون أن أعرف ما هو ذلك الممكن: ممكن جدا ماذا؟ - هل ممكن أن أعتمد عليك في إكمالها؟
وطبعا كانت تعرف أنها تستطيع أن تعتمد علي.
والمشكلة التالية كانت مشكلة عملية محضة، مشكلة المكان؛ فقلت وأنا أحمل كلامي معنى التردد وشكله، الاقتراح الذي لا أحرج كثيرا إذا رفض: هل ممكن أن تأخذي الدروس عندي؟ هل ... هل ممكن؟ - عندك؟ - أجل. - ولكنك مع عائلتك. - أنا أسكن وحدي. - في بنسيون؟ - في شقة.
Shafi da ba'a sani ba