أما الراجعون إلى القاهرة فقد جمعهم الديزل وهم في غاية من الانفعالات المتضاربة؛ قال أمين: ما كنت أتصور أنها تملك هذه الطاقة الكبيرة من العناد!
فقال شفيق: لا تريد أن تفهم ولا أن تتفاهم! - لا أريد أن أعمر حتى أبلغ تلك الحال.
فقالت منيرة بحدة: تذكرا أنكما تتحدثان عن أمنا !
واختلطت الهموم الشخصية بالهموم العامة، وآمن كثيرون بأنها هم واحد ذو أسماء متعددة، ألا يكون الحل في السلام، في الديمقراطية، في الشريعة الإسلامية؟! المهم ألا يكون حلا سبق أن جرب وأسهم في تجميع الثمار المرة الراهنة. ليكن السلام ولكن ما باله يتدلل ويتعذر؟ ولكن الديمقراطية، ها هي الأفكار تتحاور وتتصارع، وتتطور من منابر إلى أحزاب صريحة، بل ها هو الوفد يتعملق كمارد حطم قمقمه، وتهتز الأرض وتنشق عن قرارات انضباط تعيد المارد إلى قمقمه، ولكن الأحزاب الأخرى تتكون، وحتى اليسار يكرس له حزب شرعي لأول مرة. وينادي كل حزب بتطبيق الشريعة الإسلامية ويشترك اليسار في النداء، ويشعر محمد بأنه لم يكن في يوم من الأيام أقرب إلى هدفه مما هو اليوم. ومع ذلك قال بأسى: حتى الشيوعيون لهم حزب أما نحن فلا حزب لنا!
وارتفعت الأصوات المعارضة، ولكن الأسعار ارتفعت أكثر، وامتلأت الأسواق بالسلع المستوردة، استهلاكية وكمالية، وتحدث المرهقون عن طبقة جديدة من أصحاب الملايين، كالوباء، يعرف بآثاره وعواقبه ولا ترى مكروباته بالعين المجردة. وإذا بالسماء تمطر دهشة أنست كل ذي هم همه؛ دهشة أسطورية لم يتصورها خيال من قبل، دهشة تتميز بخواص الخوارق وسجايا المعجزات ونشوة الأساطير؛ عندما عرف وأعلن أن أنور السادات سيهبط في أرض إسرائيل! وتجمع كثيرون من سكان الأرض أمام التلفزيون ليشاهدوا بأعينهم كيف تتحدى الإرادة البشرية مجرى التاريخ لتحوله عن مساره الحتمي عنوة وبلا سلاح. وتجلى اللقاء بين أعداء الأمس، تصافحت الأيدي، تبولدت الضحكات، والخطب، والصلوات، وتدفق ماء عذب من شقوق صخر صلد لتصب في مجرى مليء بالحصا. واستأثرت الزيارة العجيبة بحديث الجمعة في البيت القديم.
قال عنها رشاد: كأنها غزو القمر.
وتجلى الفتور في وجهي محمد ومنيرة، أخيرا وجدا ما يتفقان فيه. قال محمد: هذه هي الثغرة التي لا انسداد لها!
وقالت منيرة: إنه استسلام لا سلام!
فتساءلت كوثر ببرود: أتريدون حربا بلا نهاية؟!
وبدت سنية مطمئنة وسعيدة وإن خفق قلبها طيلة الوقت حبا وعطفا على رشاد. ونظرت صوب محمد وسألته: ما رأي شفيق ؟ - إنه مسلم مثلي تماما. - إني مسلمة قبلك بربع قرن، وماذا عن سهام؟
Shafi da ba'a sani ba