============================================================
عمار البدليسي وطهارتها ونزاهتها، فأبدلوا عن صفاتهم بصفات الأحوال، مثل : التيه والحيرة والوله والدهشة، حتى ذاقوا لذة حلاوة الخروج من الوجود، وبذلك 3 صلحوا محلا لحقائق الذكر والشهود، فظهر من التيه دوام الأنس، ومن الحيرة دوام المجالسة، ومن الوله دوام الاسترسال، مع نعوت الجلال والجمال، وسائر أنواع النوال والإفضال والأحوال، ومن الدهشة دوام الذكر، فلا يفتر من الذكر ساعة، وإن فتر، فبلسانه لا بقلبه.
وليس هذا من شأن ذكر اللسان، لأنه يفتر عن الذكر بالانشغال بقضاء أوطار الجسد، مثل: النوم والأكل والكلام - وسائر الجسد مضطر إليه من العادات - فلا يصح منه الذكر الدائم.
وإنما الذكر الدائم من شأن القلب، إذ ليس له من الموانع كما للسان.
قمن هذا الوجه كان الذكر الدائم على القلب واجبا في جميع الأحيان والزمان، وعلى اللسان في بعض الأحيان. فثبت بالدليل العقلي والنقلي أن 15 (4اب) الذكر الدائم صفة ذكر القلب. فإنه إذا دام في الذكر اتصف بصفاء الذكر. وإذا اتصف بصفاء الذكر صار القلب غيبا، فوقعت الكلمة في الغيب.
واذا وقعت الكلمة في الغيب فالقلب في الغيب غائب. وهذا من جملة العلم 18 الذي يذاق منه، ولا يقال عنه، حتى يصير علم المريد غيبا لا تعليميا. إذ ليس للعلم والعقل إليه طريق، إلا بالدؤق فقط (1). فحصل الذكر غيبيا، والغيب قلبيا. فصار القلب ذاكرا في كل حال، إذ لا مانع للقلب من الذكر 21 إلا غلبة النفس. فإذا تخلص منها، عاد القلب إلى عادته. إذ غذاؤه(2) الذكر وحيائه بالذكر. فلا صير له عن الذكر، ولا ملال له من الذكر . لأن (1) قارن بماير، فوائح، المقدمة الألمانية ص 101.
(2) غذاؤه، في الأصل: غذاه.
Shafi 38