لا أنكر أن أنانيتي تتكلم الآن. غير أني قلت ما قلت مسرعة هامسة. فابتسمي له إن شئت، وإلا فلا تصغي يا سيدتي ولا تسمعي، بل اسأليني عما أهمس به لأجيب أني أحمد الله على إبلالك وأني أسأله أن يديمك سالمة. وما أغلى سلامتك لدينا ! •••
جئت أسر إليك أمرا وقفت عليه عندما شهدت صدى مقالتك لدى جمهور القراء. اسمعي يا سيدتي الباحثة، وصوني سري!
رأيت جميعهم يتقبل أقوالك بنظرة الفخر وابتسامة الإعجاب، ولكني رأيت كذلك أسيادنا الرجال - أقول «أسيادنا» مراعاة؛ بل تحفظا من أن ينقل حديثنا إليهم فيظنوا أن النساء يتآمرن عليهم؛ فكلمة «أسيادنا» تخمد نار غضبهم - قلت إني رأيتهم يطربون لتصريحنا بأنهم ظلمة مستبدون. نعم آنست ذلك في ملامح كل من قرأ مقالك أمامي من أسيادنا الرجال.
فذكرت إذ ذاك ألا سرور في العالم يضاهي سرور التفاهم. فإذا شعر المرء بأن هناك من يفهمه كان سعيدا، سواء لديه أن تعرف منه صفاته أو علاته لأن معرفة العلات تتبعها حتما معرفة الصفات، وإن كان الخير أقل انتشارا من الشر. وما النقائص إلا فضائل مضخمة مكبرة تتسع وتستفيض دون أن تجد لها من الضمير مهذبا فتتجاوز الحدود المعنوية التي عينتها اصطلاحات الاجتماع - إذا كانت اجتماعية - أو رسمتها علوم النفس والأخلاق، إذا كانت أخلاقية.
فعملا برغبة التفاهم، وطبقا لنظام المباهاة، وتوصلا للاستمتاع بنتيجة هذه المباهاة وذلك التفاهم، كان وسيكون السارق دائم المفاخرة بوقوف الناس على براعته في اختيار الطرق الجديدة واستنباط الحيل الغريبة، وكان وسيكون القائل مسرورا بإعلان آثامه للورى آملا أن يجدوا فيها أعمال بطل - من نوعه! وكان وسيكون السياسي جادا في إقناع الآخرين أن دهاءه اقتدار وسوء ظنه وروغانه فطنة وحكمة. كذلك الرجل يسر، ويرجو، ويريد أن تشعر المرأة باستبداده ظنا منه أن الاستبداد هو السيادة، وأن هذه مقياس ذاتيته التي يريدها كبيرة. رضيت المرأة عن تلك السيادة أم تمردت عليها في نظره سيان، بل أظنه - سامحني الله إن كنت مخطئة - مؤثرا تمردها على إذعانها؛ لأنها كلما زاد تمردها زاد شعوره بالسيطرة. وأشد الملوك فرحا بهز الصولجان، وأرفعهم للرأس كبرا وتيها تحت ثقل التيجان هم ذوو العروش المتداعية للهبوط. والرجل ملك متداع عرشه؛ لأن ريح الفوضى تهب عليه من كل جانب، وخطوات الارتقاء النسائي تتوالى متكاثرة متمكنة مع مرور الأيام. •••
لكنه ملك عزيز.
هو الأب والأخ والصديق والخطيب والزوج، فإذا سقط سقطنا معه، وإذا ارتفع كنا بارتفاعه عظيمات؛ لذلك نريد له خيرا، ونجتهد في تأييد دولته بشرط أن ينصب عرشنا بقرب عرشه، وأن نقف إلى جنبه وقفة المثيل بجوار المثيل. نريد أن نكون متساويين في الحقوق الأدبية والعمرانية ما دمنا متساويين في الواجبات والمسئولية، بل إن واجباتنا ومسئوليتنا يفوقان ما عليه من مسئولية وواجب!
فيا ترى متى يرضى الرجل بتقرير هذه الحقيقة؟
ما أطيب قولك، يا سيدتي الباحثة، إنك تشفقين على من يستحق الشفقة وعلى من لا يستحقها. الرجل من الذين يستحقون الشفقة؛ لأنه لا يعرف أنه يستحقها. أنه باستعبادنا لمنتحر. ولو صرفنا النظر عن مستقبل الذرية وبحثنا في حياته الفردية لوجدنا أن ما من أحد يساعده على التخلص من الشوائب الشائنة ويحثه على إنماء شخصيته الغنية المخصبة إلا نحن. كما أنه لا يهدينا إلى واجباتنا ويضع في ضعفنا قوة إلاه.
الحجاب؟ وما هو الحجاب؟
Shafi da ba'a sani ba