وللمعترضين بأن الإطلاق يجلب الضرر يجيب :
أما الإطلاق في نفسه فلا يمكن أن يكون ضارا أبدا متى كان مصحوبا بتربية صحيحة؛ لأن التربية الصحيحة تكون أفرادا أقوياء بأنفسهم يعتمدون على أنفسهم ويسيرون بأنفسهم، فمن كملت تربيته استقل بنفسه واستغنى عن غيره. ومن نقصت تربيته احتاج إلى الغير في كل أموره. فالاستقلال في النساء كالاستقلال في الرجال يرفع الأنفس من الدنايا ويبعدها عن الخسائس؛ لذلك يجب أن يكون هو الغاية التي نطلبها من تربية النساء.
بيد أنه أدرك أن إصلاح المرأة لا يتم بالتربية وحدها ما لم يتوفر لها وسط يكفل حفظ ما تكسبه من فائدة معنوية، ولا بد لذلك من كمال نظام العائلة القائم على مسائل مهمة ثلاث، وهي: الزواج والطلاق وتعدد الزوجات. وقد جعل أساسا لكلامه الآية الحكيمة القائلة:
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .
أين «المودة والرحمة»؟ يسائل قاسم نفسه. أمن دواعي المودة أن يرتبط الزوجان برباط الزواج قبل أن يتعارفا وقبل أن يميل كل منهما للآخر؟ أمن دواعي المودة ألا يتفاهم العروسان إلا بعقول الآباء والجيران والرسل، وأن لا يعلم الواحد من أحوال الآخر إلا ما يسمعه نقلا عن ناقل مغرض أو متهوس؟ وأين تلك «الرحمة» من رجل يتزوج من النساء ما شاء ومتى شاء؟ وأين الرحمة في قلوبهن وكل منهن شاعرة بأنها مظلومة وأن زوجها مستبد طاغ؟ أين الرحمة في قلب رجل يؤذي امرأة في أرق عواطفها وأعز ما عندها، ويسحق حياتها وسعادتها تحت قدم أهوائه؟
يقول بضرورة التلاؤم في الأذواق والميول، وأنه لا غنى عن أن يرضى كل بهيئة صاحبه؛ فلا يشعر بذلك «النفور» الذي يبعد بين الأشخاص لمجرد النظر، ويقول بوجوب ائتلاف الملكات والعقول. ولا يتأتى كل ذلك إلا إذا خالط كل منهما الآخر ولو قليلا قبل الخطبة، وبهذا الاجتماع عود إلى «أصول الدين وعوائد المسلمين السابقين، وهو إصلاح يقضي به العقل السليم» ... «لأن رجال العصر الجديد لا يرضون الارتباط بزوجة لم يروها، وإنما يطلبون صديقة يحبونها وتحبهم لا خادمة تستعمل في كل شيء» ... «وكل ذي ذوق سليم يرى من الصواب أن يكون للمرأة في انتخاب زوجها ما للرجل في انتخاب زوجته؛ فإنه أمر يهمها أكثر مما يهم ذوي قرابتها.»
أما تعدد الزوجات فقد قاومه بشدة مستعينا في ختام المرأة الجديدة بالتقرير الذي وضعه يومئذ فضيلة خالد الذكر الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية بشأن إصلاح المحاكم الشرعية. تعدد الزوجات عنده عادة «بربرية» كانت منتشرة عند ظهور الإسلام، ولا محل لها في هذا العصر الذي تصعد فيه الشعوب درجة الرقي، وأن الفرد إذا ارتقى إلى حد عرف عنده كرامته وكرامة الزوجة والأولاد، مال إلى الاكتفاء بامرأة واحدة؛ لأن:
في تعدد الزوجات احتقارا شديدا للمرأة. «وعلى كل حال فكل امرأة تحترم نفسها تتألم إذا رأت زوجها ارتبط بامرأة أخرى؛ إذ لا يخلو حالها من أحد أمرين: إما أن تكون مخلصة في محبتها لزوجها فتلتهب نيران الغيرة في قلبها وتذوق عذابها. وإما ألا تكون كذلك وهي راضية بعشرته بسبب من الأسباب، فهي مع ذلك ترى لنفسها مقاما في أهله فإذا ارتبط بأخرى سواها قاست من الألم ما يبعثه إحساسها بأن ذلك المقام الذي كان باقيا لها قد انهدم، ولم يعد لها أمل في بقاء شيء من كرامتها عنده» ... «ولا ريب في أن شقاء المرأة بهذه الحال يكون له أثر شديد في نفس الرجل المهذب حتى يشعر دائما بأنه هو السبب في هذا الشقاء. ثم إن الأولاد من أمهات مختلفات ينشئون بين عواصف الشقاق» ... «مثلهم كمثل الممالك الأورباوية تظهر بحالة السلم وهي تأخذ أهبتها للحرب، حتى إذا حانت الفرصة وثب كل منها على الآخر فمزق بعضهم بعضا كما نشاهده في أغلب العائلات» ... «فلا ريبة بعد هذا أن خير ما يعمله الرجل هو انتقاء زوجة واحدة؛ ذلك أدنى أن يقوم بما فرض عليه الشرع فيوفي زوجته وأولاده حقوقهم من النفقة والتربية والمحبة، وأقرب إلى الوصول إلى سعادته.»
8
ولا يجيز التزوج بأكثر من واحدة إلا في حالة الضرورة المطلقة. ومن ثم يصل إلى الطلاق فيقول بأنه يفضل أن يكون الزواج عقدة لا تنحل إلا بالموت، «ولكن مما يجب مراعاته أن الصبر على عشرة من لا تمكن معاشرته فوق طاقة البشر.» فيبيح الطلاق حينئذ لأنه من المضرات التي لا يستغنى عنها، ومنافعه تزيد أضراره على ما يرى. غير أنه يقبحه كما هو شائع مبنيا على اللفظ المستعمل بسهولة العادة، ولا يقبل به إلا مع النية الحقيقية والإرادة الواضحة برفع قيد الزواج ووقوع الانفصال. وقد سن للطلاق نظاما قائلا إن الحكومة إذا أرادت أن تفعل خيرا للأمة فعليها أن تعمل به. وهو:
Shafi da ba'a sani ba