7
وكم من رجل وامرأة في مصر يستحقان هذا التعنيف:
إننا في مصر ولكننا لا نعرفها. أرأيت أغرب من مبصر أعمى؟ إن الأهرام على قيد فلتة العيار من القاهرة ولكن كثيرات منا لم يزرنها، والآثار تخبرنا عنها السائحات الأجنبيات فنبدي جهلا مزريا ونعجب مما يقصصن علينا، وتاريخنا مبعثر في الأرض من قديم وحديث ولا من تلم به حيا من غير الكتب الجامدة الخالية من الروح.
8
على أن وطنيتها أتم وضوحا عندما تعالج الموضوع الذي يكثر عودها إليه وهو ألا يأخذ أبناء هذا الوادي من مدنية الغرب إلا ما لا بد من أخذه، على شرط أن يصطبغ بالصبغة المصرية ويتسم بالطابع الوطني، كقولها:
فانصراف شبابنا لتلقي العلوم الحديثة في أوروبا يجب أن يكون لخير البلاد لا لشرها. فكما يتعلمون لنفع أنفسهم يجب أن يقرنوا ذلك النفع بنفع مواطنيهم أيضا. فواجبهم الوطني يقضي عليهم بأن يدخلوا كل ما يرونه صالحا في بلادهم مع الاستغناء عن الأجنبي على قدر الإمكان. فصانع الحرير الوطني إذا رأى معامل أوروبا وسرعتها وجب أن يشتري لبلاده الآلات اللازمة لسرعة إنجاز العمل لا أن يدخل تلك الصناعة بعينها ويقضي على صناعته الجميلة فيكون قد اقتبس شكلا وأبطل آخر. فنحن إذا اتبعنا كل شيء قضينا على مدنيتنا. والأمة التي لا مدنية لها ضعيفة هالكة لا محالة. «إذا أردنا أن نكون أمة بالمعنى الصحيح تحتم علينا ألا نقتبس من المدنية الأوروبية إلا الضروري النافع بعد تمصيره حتى يكون ملائما لعاداتنا وطبيعة بلادنا. نقتبس منها العلم والنشاط والثبات وحب العمل. نقتبس منها أساليب التعليم والتربية وما يرقينا حتى نبدل من ضعفنا قوة. وإنما لا يجوز في عرف الشرف والاستقلال أن نندمج في الغرب فنقضي على ما بقي لنا من القوة الضعيفة أمام قوته المكتسحة الهائلة.»
9
ما أجمل هذه العبارات معنى ومبنى، وما أوفاها حصافة وحكمة! إنها لتستفز الحمية وتدعو إلى التصفيق وها أنا أصفق لها بقلبي وراحتي. •••
ليس بين المعاني الاجتماعية ما هو أدعى إلى التحمس والطرب من اسم الوطن؛ لأن الوطن كل شيء؛ فهو الأهل والأحباب، والدموع والابتسامات، وهو القبور الغاليات، ومهد الذراري المقبلات، هو مجموع الوارثات الأثرية والتاريخية والأخلاقية والعلمية والعملية، كما أنه الفجر وأجواق بدائعه الذهبية والغروب بسرادقه المهيب المنصوب فوق جيوش السحب المتلمعة.
هو العلم الذي ترتعش لتلاعب النسيم بأهدابه ذرات القلوب.
Shafi da ba'a sani ba